إنّ حرف زائد
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[20 - 10 - 2008, 08:32 ص]ـ
لا يسلم المبتدأ من دخول بعض الأحرف عليه، ومنها ما لا يغير لفظه كحرفي الاستفهام (أ، هل)، نحو: (أزيدٌ عندك) فزيد مبتدأ، ومنها ما يغير لفظه فيكون مجرورًا، نحو (ربَّ غريبٍ خيرٌ من قريب)، فغريب مبتدأ عند النحويين على الرغم من ظهور الجر على آخره، وهم يقدرون الضمة على آخره لتعذر ظهورها بسبب اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد (ربَّ). ويفهم من ذلك أن المبتدأ يمكن أن يجرّ جرًّا لفظيًّا لا يزيله عن ابتدائه. ثم إنّا نجد هذا المبتدأ تدخل عليه (إنَّ) فتنصبه، نحو: (إنَّ زيدًا عندك)، ولكن النحويين لم ينظروا إليه نظرهم إلى المبتدأ بعد (ربَّ)، بل غيروا اللفظ المطلق عليه فجعلوه اسمًا لإنّ. ونحن إن كنا نعرف المقصود بالمبتدأ لا نفهم ما المقصود باسم إنّ فهو مصطلح غريب مفتعل، واليقين أننا أمام المبتدأ، وإن طرأ عليه النصب كما طرأ عليه الجرّ أيضًا، ولم نجد من النحويين من نقض هذا الأمر الذي أبرمه النحويون حتى جاء أزهري محدث ليقرر غير ذلك، قال عبد المتعال الصعيدي في كتابه (النحو الجديد) ص251 - 252: "ينصب المبتدأ ويرفع الخبر إذا دخلت عليه (إنَّ) أو إحدى أخواتها، مثل (إنَّ اللهَ غفورٌ). ومن أخوات إنَّ-أنَّ- مثل (اعلمْ أنَّ الصومَ فرضٌ). ومنها-كأنَّ- مثل (كأنَّ زيدًا أسدٌ). ومنها-لكنَّ- مثل (العجلة محبوبة لكنّها ضارةٌ). ومنها-ليت- مثل (ليت الشبابَ يعود). ومنها –لعل- مثل (لعل الشفاءَ قريبٌ). ومنها-لا-النافية للجنس، مثل (لا رجلَ في الدار) ". فهذا قول واضح لا جمجمة فيه. وأما النحويون فلم يكفهم تغيير المبتدأ ليكون (اسمًا لإنّ) بل أثاروا نقاشًا عقيمًا حول الأثر الذي تؤثره (إنَّ) في الجملة الاسمية، فمنهم من قال أنها نصبت المبتدأ ورفعت الخبر ومنهم من اقتصد فقال بأنها نصبت المبتدأ وتركت الخبر كما هو، ثم أمعنوا في الأمر بشيء كالخيال حين سألوا عن علة نصبها المبتدأ ورفعها الخبر فزعموا أنّها حُملت على الأفعال في عملها، بمعنى أن العربي حين نصب بها حملها على الفعل الذي يرفع وينصب، وصنيعهم هذا أجاءهم إليه أرادتهم تعميم عمل الفعل النصب، أي أن الفعل هو الذي ينصب وأما غيره فمشبه به كالأسماء أو محمول عليه كالحروف، وهذا افتراض لا يلزم، وتضييق أدى إلى ذلك الجدل. ووجد النحويين أنفسهم في إشكال آخر وهو مخالفة هذا الحرف لما حمل عليه من فعل؛ فالفعل يرفع المسند إليه (الفاعل) أما (إنَّ) فتنصب المسند إليه (المبتدأ)، فعمد النحويون إلى محاولة رأب صدع أمرهم بالقول إنما حملت على فعل مقدم مفعوله على فاعله.
ويمكن القول بعد هذا التقديم والبيان أنّ الخروج من كل هذه الإشكالات إنما يكون في عدّ عمل (إنَّ) عملاً شكليًّا لا يتعدى اللفظ وأنّ ما بعدها مبتدأ منصوب لفظًا كما جرّ لفظًا بعد (ربّ)، وكما جرّ خبر ليس لفظًا بالباء الزائدة. ويؤيد هذا كون (إنّ) للتأكيد فهي بهذا تكون حرفًا زائدًا كما كانت الباء المؤكدة زائدة. ويؤيد هذا أنّ (ما) قد تكفها عن عملها حين تقول (إنما زيدٌ عندك)، وأنّ عملها قد يترك متى خففت، نحو (إنْ زيدٌ لعندك).
ـ[غازي عوض العتيبي]ــــــــ[20 - 10 - 2008, 11:09 ص]ـ
السلام عليك أستاذنا أبا أوس،
المعلوم أن (إنّ) تفيد التوكيد _كما تفضلت_ وأن الفتحة أخفّ من الضمة. فهل يصح تفكيرنا إنْ قلنا: كره العربي اجتماع الضمة مع حرف التوكيد، لثقلها. يؤيد هذا أنهم استغنوا عن النصب عند تخفيف (إن).
ـ[ضاد]ــــــــ[20 - 10 - 2008, 11:46 ص]ـ
أشكرك أستاذي الفاضل على هذا الطرح المنطقي الجميل. وأذهب إلى ما تذهب إليه. بوركت وزادك الله فضلا.
تكمن الصعوبة في \إنّ وأخواتها\ اللواتي يدخلن على الجملة. ولكن المسألة في نظري يمكن حلها بأبسط الطرق. إن هذه الحروف حسب نظري هي مجرد حروف معان لا تغير من أصل الجملة شيئا. فليس عندي "اسم إن وخبرها" لأن \إنّ\ عندي لا تكوّن جملة, بل هي وأخواتها تدخل على جملة تامة لتضيف إليها معنى جديدا, ولذلك كانت حروف معان. ربما يسأل سائل عن عمل النصب في أسماء \إنّ\, فأقول أن النصب عارض بسبب دخول \إن\, وهو ليس أصلا في الجملة ولا في العنصر المنصوب, وعمل \إنّ\ به مجرد عمل "موضعي" لا يغير من أصل التركيب. فكون المبتدإ منصوبا لا يعني عدم ابتدائه, لأن النصب سببه دخول حرف معنى عليه, ولو زال لزال. وحروف المعاني منها العامل ومنها غير العامل, ومنها ما يضيف معنى التوكيد ومنها ما يضيف معنى التمني ومعنى الاستدراك. ولكنها كلها تشترك في دخولها على جمل تامة ونصبها المبتدأ. وهي تشبه في ذلك الخوافض التي تدخل على المفعول فهي رغم خفضها له لا تغير من وظيفته المفعولية وإن تعذر ظهور النصب, وكذلك الأمر في \إنّ\ فهي تنصب المبتدأ فتعذّر ظهور الرفع وكما تكسر \رب\ المبتدأ فتعذر ظهور الضمة غير أن الوظيفة لم تتغير. والحروف عموما هي أقوى العوامل وهي في اللغات الإعرابية عوامل صِرفة كما تقول اللسانيات.
¥