بل " إنَّ " ناسخة
ـ[أبو عمار الكوفى]ــــــــ[22 - 10 - 2008, 06:22 م]ـ
بين يدي الرد: قد يكون أول رد يمكن الرد به على القول بعدم نسخ " إن وأخواتها " هو تواتر نقل الثقاة من العلماء لذلك، وكان يكفينا هذا الرد لو لم يُظن بنا التقليد الأعمى والاتباع المطلق لعلماء تكلموا كما يتنفسون، وأجادوا فيما فيه برعوا، لكن ليُعلم وجهُ الحقيقة وأنّا لسنا نتمسك بالقديم قدر تمسكنا بالجديد المفيد الذي يرفع التعقيد عما يصعب من مسائل – آثرنا الرد.
ولسنا ندعي عصمة لأحد فكم أخطأ النحويون، بل أفحش بعضهم في الخطإ، ولكن قام من هم أهلٌ للرد يردونه، ولم نجد خطأً لنحوي سُكت عنه، غير أنا أحببنا أن نبين أن الأمر في التجديد والتقعيد مقنن، وباب التجديد مفتوح لكل مجتهد ولو كان طويلبًا، ما دام يزن كلامه بموازين تصلح للغتنا، دون انجرار إلى دعوى التجديد من أجل حب الجديد، وأي تجديد لا يعقل الأمور ولا يضعها في نِصابها ولا يضبط ما يقول فما لصاحبه من القبول نصيب عند المنصفين.
وإنه لخليق بمن رمى القديم بدعوى التعقيد جريًا وراء فكرة جديدة أن يرمي الجديد نفسه إن لاحت له فكرة أخرى يراها – بمعزل عن التبصر – أحسن منها.
وأبدأ فأقول:
1 - لا يوجد في عوامل الأسماء ما يعمل النصب دون الرفع؛ بخلاف ما يعمل الرفع أو الجرَّ.
2 - لو قلنا الخبر مرفوع فبأي شيء رُفع، لا يصحُّ رفعه بالمبتدإ؛ لأنه ليس مبتدأً، ولا يصحُّ رفعه بالتجرُّد؛ لأنه لا تجرُّد، ولا يصح على قول من يقول مرفوع لأن الرفع أصل؛ فلا دليل عليه. إذن لم يبق إلا الناسخ، ولتُعلم قوة النسخ في الخبر أن الفرّاء - وهو مَن هو – نصب الخبر بعد " ليت " ووافقه الكسائي - رحمهما الله - ومن أدلتهما في ذلك:
يا ليت أيام الصِّبا رواجعا.
ليت الشباب هو الرجيعَ على الفتى ... والشيب كان هو البدئُ الأول. وأجاز غيرهما من الكوفيين هذا العمل مع غير ليت، مستشهدين بما ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن قعر جهنم لسبعين خريفًا " وقول الشاعر:
كانَّ أذنيه إذا تشوَّفا **** قادمةً أو قلمًا محرّفا. وليس الموضع موضع مناقشة قوة الرأي أو صحته أو غير ذلك، ولكن من يعتدُّ برأيهم نصبوا بها الخبر فوضح النسخ أكثر.
بل إن رأي الكوفيين هذا لهو دليل قوي لنسخ الخبر المرفوع؛ لأنهم أرادوا أن يشيروا إلى قوة النسخ بـ " أنِّ " لمعرفة كونها ناسخة لا شك في هذا فرأوا أن قوة النسخ لا تظهر بشكل قوي مع الرفع ووجدوا من الشواهد ما يثبت النصب فانصرفوا إليه؛ إمعانًا في إظهار النسخ.
3 – و من الأدلة الواضحة على كون الخبر الواقع مع إن وأخواتها هو خبر لها وليس للمبتدإ: أن خبر هذه النواسخ الحرفية لا يجوز تقدمه عليها؛ بينما يصح تقدم خبر معظم أخوات كان
كَأَنِّي مِنْ أَخْبَارِ إنَّ وَلَمْ يُجِزْ ... لَهُ أَحَدٌ فِي النَّحْوِ أَنْ يَتَقَدَّمَا
ومن أسباب ذلك أنه لو تقدم وهو مرفوع فهو مظنة كونه في هذه الحالة مبتدأ، أمّا خبر كان فهو منصوب بها وحينئذٍ تقدم أو تأخر فقرينة النصب تخلصه لها.؛ ولأنَّ تقديم المرفوع لو جاز لكان أوْلى كما في الفعل، وهو ما لا يستقيم
ولو كان هذا الخبر خبرًا للمبتدإ لجاز تقدمه على الجملة كلها، بل على اسم كان نفسه والصحيح أن الخبر لا يتقدم على خبر إن (يتوسط) إلا إذا كان شبه جملة، كقوله تعالى: {إنَّ إلينا إيابهم}.
4 – لمَّا شاركت هذه الحروف الفعل في لفظها ولزومها، وجب أن تعمل عمله، والذي أوجب لها أن تعمل عملين - الرفع والنصب – أنها ليس لها معنى في العبارة عن الاسم المفرد، ومما يدل على شبهها بالفعل أنها لم ترفع الاثنين، ولم تنصبهما.، كما عملت هذه الحروف لاختصاصها بضرب من الكلام واختصاص الشيء بالشيء دليلٌ على قوَّة تأثيره فيه فإذا أثرَّ في المعنى أثر في اللفظ ليكون اللفظ على حسب المعنى. بل إن معنى الفعل لواضحٌ كالتمني والتشبيه والترجي ....
5 – لا يجوز أن يلي " إنّ" فعل لكونها شبيهة بالفعل ولا يلي فعلٌ فعلاً، فلا نقول: إنَّ يقول العلماء.
¥