كل قراءة أختها , لأنهما بمثابة الآيتين في أشد الأحوال.
عليه: فقراءة النصب ليس لها إلا العطف على المنصوبات بالفعل "
فاغسلوا " , وتكون الأرجل مغسولة , وليست ممسوحةً.
أما قراءة الجر على عطف " أرجلكم " على " رءوسكم " فبيانها في المشاركة
التالية.
والله الموفق.
ـ[السلفي1]ــــــــ[24 - 07 - 2009, 09:09 م]ـ
قال ان حزم في المحلى ج 2 ص 56 ((وامسحوا برءوسكم وأرجلكم) وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس: إما على اللفظ وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك، لانه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة.)
بسم الله.
قلتُ:
أما قراءة الجر عطفًا على المجرور " رءوسكم " فقد خرجها العلماء على
أوجه , وهذه الأوجه تندرج تحت وجهين رئيسين:
الأول: أن " أرجلِكم " معطوفة لفظًا على " رءوسكم " لا معنًى , بل معناها
متعلق بالفعل " فاغسلوا " ,
ولهم في هذا الوجه مذاهب:
أولها: المجاورة , أي " أرجلكم " معطوفة على أيديكم المنصوبة , ولكنها
تأثرت بجوارها للمجرور " رءوسكم " فأخذت حكمه الإعرابي من حيث الجر.
وتنازعوا في هذا المذهب كما بينت سابقًا , والصحيح ثبوته.
ثانيها: قال: " أرجلكم " متعلقة لفظًا وإعرابًا بـ " رءوسكم " لا معنًى,
فهي متعلقة معنًى بالفعل " فاغسلوا " ,
وهذا مذهب الخازن ,وسبق بيانه.
ثالثها: أرجلكم تعلقت لفظًا بالمجرور , ولكن معنًى بالمغسول , وسببه: التنبيه
على عدم الإسراف في غسل الرجلين , فليكن غسلهما قريب من مسحهما.
وضعفه غير واحد.
رابعها: " أرجلكم " مجروة بحرف محذوف لفعل محذوف , والتقدير:
" وافعلوا بأرجلكم غسلاً ".
وضعفه غير واحد.
وهذا الوجه يسنده جدًا قراءة النصب , وذلك أن من أصول التعامل مع النصوص
أن النصين اللذين يظهر بينهما تعارض في القرآن لا بد من الجمع بينهما أو نسخ
أحدهما.
مع قاعدة إعمال النص أولى من إهماله , والعمل بما فيه زيادة ,
وعليه فإن من الجمع بين القراءتين النصب والجر اعتبار الوجه المذكور , وهو
أن الجر على اللفظ والنصب على المعنى , وتكون الرجلان بذلك من المغسولات
, وليست من الممسوحات.
وهذا الوجه هو أقوى الوجوه وأولاها.
الوجه الثاني: " أرجلكم " معطوفة على المجرور " رءوسكم " لفظًا ومعنًى.
وحينئذٍ فإن " رءوسكم " تتعلق بالفعل " وامسحوا " ,
ويصير المعنى:
" وامسحوا برءوسكم وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين " ,
والسؤال الهام جدًا هنا:
هل هذا الوجه يعني أن الرجلين من الممسوحات , وليست من المغسولات؟
للعلماء قولان:
الأول: لا يعني هذا أنها من الممسوحات , بل هي من المغسولات , ولهم فيه
مذهبان:
أولهما:
قال أبو زيد الأنصاري و أبو حاتم وأبو علي الفارسي وابن الأنباري:
المسح في لغة العرب له معنيان:
أولهما: المسح الذي يتحقق بإمرار اليد على العضو دون إسالة وجريان الماء
على العضو. (كمسح الرأس المعروف)
ثانيهما: المسح الذي يتحقق بإمرار اليد على العضو مع إسالة وجريان الماء
عليه , وهذا هو الغسل مع الدلك.
فالمسح له معنيان: المسح المعروف والغسل المعروف ,
فالغسل يطلق عليه العرب المسح ,
يقولون: تمسحت للصلاة أي توضأت لها ,
ومسح المطر الأرض أي غسلها ,
ومسح الله تعالى ذنوبك أي غسلها.
والمسح في الآية محل البحث مشترك لفظي بين معنيين المسح المعروف
والغسل,
فقد استخدم المسح مع الرأس بالمعنى المعروف , وهو إمرار اليد على الرأس ,
واستخدم مع الرجلين بالمعنى الخاص , وهو الغسل.
ومنع هذا الاستخدام جمع من الأصوليين , وقالوا: هو إلغاز وتعمية على المراد
والحكم.
ولكن الشافعية أجازوه ,
وقال جمع أن " المسح " في الآية لم يُستخدم في معنييه , بل استخدم في القدر
المشترك بين معنييه ,
فالقدر المشترك بين مسح الرأس وغسل الرجلين هو إيصال الماء إليهما ,
فيكون معنى:
" وامسحوا برءوسكم وأرجلكم .. " هو: أوصلوا الماء إليهما ,
ولم تقيد وتحدد الآية أن إيصال الماء للرجلين يكون بالمسح كالرأس ,
فالآية مجملة , والسنة فسرتها , بأن يكون إيصال الماء للرأس بالمسح ,
وللرجلين بالغسل ,
فلا يؤخذ من الآية حكم في الرأس والرجلين إلا إيصال الماء إليهما , والسنة
يؤخذ منها كيفية الإيصال , فيكون حكم الرجلين في لوضوء للسنة لا للقرآن.
وهذا الاستعمال الثاني للمسح عليه ابن تيمية وابن القيم وغيرهما.
ثانيهما: أن المسح خاص بالرجلين إذا كانتا في الخفين , أما المكشوفتان
فالغسل, لرفع التعارض بين قراءة النصب والجر , وعملاً بالسنة ,
فإن السنة جاءت بالغسل للرجلين المكشوفتين وبالمسح للمستورتين بالخف
ونحوه.
القول الثاني: أن الرجلين من الممسوحات لا المغسولات , ولهم مذهبان:
أولهما: أن مسح الرجلين كان في صدر الإسلام ونسخ بالغسل , فاستقر الحكم
على غسل الرجلين لا المسح.
ثانيهما: أن الرجلين من الممسوحات , وتمسح الرجلان كالرأس , وهذا هو
فرضهما في الوضوء لا الغسل.
وذهب إليه جماعة من السلف , وهو مذهب ابن حزم رحمه الله تعالى.
ولكنه ضعيف لما قدمنا ,
ثم المسح الوارد عن بعض السلف إما أن يكون هو المسح المعنى به الغسل كما
قدمنا أو المسح على الخف أو المسح المنسوخ ,
ولذا فإن العلماء اختلفوا كثيرًا في فهم كلام الطبري في تفسيره ,
هل يقصد من تجويزه المسح الغسل أم المسح على الخف أم المسح كالرأس أم
التخيير بين المسح والغسل؟
والله تعالى الموفق ,وهو أعلم بالصواب.
¥