قال الزجاج والفرّاء:
كانت العرب تقول لمن كثر منه الشيء أنه خلق منه مبالغةً ,
فمن كان شديد الكرم قالوا له: خلقت من الكرم ,
ومن كانت شديدة الجمال قالوا لها: خلقت من الجمال ,
ومن كان شديد الضرب في الحروب قالوا له: خلقت من الضرب ,
وعلى هذا المعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا تصلوا في معاطن (مرابط) الإبل , فإنها خلقت من الشياطين (الجن) "
, ومعنى خلقت من الشياطين: أنها شديد الشبه بالشياطين إذا نفرت وشردت ,
فلربما قتلت من في طريقها , وهذا أمر ملموس.
والمقصود بالآية هو عين الآية الأخرى , قال تعالى:
" وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا " ,
وهذه الآية ظاهرة المعنى ,
وعليه: فالراجح من أقوال المفسرين في الآية هذا القول. والله أعلم.
وجعلوا من ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (ولا أعرف درجته): " لست من الدَّدِّ ولا الدَّدُّ منيِّ " والدّدُّ: اللعب.
قلتُ: ضعيف , وضعفه غير واحد , ويغني عنه ما تقدم.
وقيل: العجل: الطين بلغة حمير، وعليه قول الشاعر:
................ ***** والنخلُ مّنبته في الماء والعجل.
قلتُ: وهذا القول ضعيف لأمرين:
الأول: الآية الأخرى المذكورة سابقًا , وهي لا تتحمل هذ المعنى ,
فلا يمكن أن يكون معنى " عجولا " طينًا.
الثاني: سياق الآية , وما فيها من قرائن لفظية , ومنها:
(1) قوله: " فلا تستعجلون " , فدل على أن الاستعجال هنا هو المعنوي
المقابل للتأني والروية , ويبرز ذلك تمامًا سبب نزول الآية.
(2) قوله: " وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " , وهي الآية التالية ,
ففيها أنهم يستعجلون الوعد بالقول مما دل على إثبات العجلة المعنوية في الآية ,
لا العجل المادي الذي هو الطين بلغة حمير. والله أعلم.
وقيل هذا من باب القلب، أي المعنى: خلق العجل من الإنسان، استنادًا إلى قراءة من قرأ شذوذًا: " خلق العجل من الإنسان ". وهو نحو قولهم: عَرضتُ الناقةَ على الحوضِ.
قلتُ: قال به: أبو عبيدة والنحاس , وقد رده غير واحد من أئمة التفسير واللغة ,
ومنهم: الطبري وأبو حيان والشوكاني والشنقيطي ,
وقالوا: القلب لا يكون في الكلام الفصيح.
والأول واضح ظاهر.
قلتُ: نعم , وأحسنت , وأحسن الله إليك ,
وهناك أقوال أخرى فيها نوع من الإسرائليات , وإن كان الطبري قد رجح
أحدها.
وعلى ما تقدم يكون قوله " من عجل " في محل حال أو متعلق بحال , ومعناها " عجولا ".
ونحو تلك الآية قوله: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ " مع قوله: " وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ".
ومعلوم من أصول التفسر أن أجود التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن , وهو أعلى مرتبة من مراتبه ,
وإذا عُورض بغيره تقدم عليه.
والله الموفق.
ـ[السلفي1]ــــــــ[07 - 08 - 2009, 06:11 م]ـ
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
يقول تعالى: "خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون"
معلوم أن الاستعجال معنى من المعاني و ليس شيئا حسيا فلا يمكن القول بأن المادة التي خلق منها الإنسان هي العجلة إذا فما هو الدور الذي تؤديه لفظة من في الآية الكريمة؟
بسم الله.
قلتُ ,وبالله تعالى التوفيق والسداد:
أحسن الله تعالى إليك أخي الكريم.
هل يستحيل ما ذكرتَ على قدرة الله تعالى - والعياذ بالله -؟
بالطبع لا يستحيل شيء على قدرته الله تعالى , ومن ثم فإن صياغة سؤالك فيها
نظر بين , ولا يليق أبدًا أن نستحيل على الله تعالى شيئًا.
فلك أن تقول: ولا يمكن .... في القياس أي في مقدور فهم عقل الإنسان قياسًا
للأشياء على بعضها.
والعلم لله تعالى.
ـ[البشير الإبراهيمي]ــــــــ[09 - 08 - 2009, 12:20 م]ـ
أحسن الله إليك أخي السلفي بحسن توجيهك