وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}: قال: (يدخلونها، أو يلجونها، ثم يصدرون منها بأعمالهم)، رواه أحمد.
والذي يقوي القول بأن المراد بـ (الورود) هو (الدخول)، قوله تعالى في الآية التالية للآية موضع الحديث: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} (مريم:72).
وقد أجاب القائلون: إن (الورود) هو (الدخول) على قوله تعالى: {أولئك عنها مبعدون} بأنهم مبعدون عن عذابها وألمها، فلا ينافي ذلك ورودهم إياها، من غير شعورهم بألم ولا حر منها، كما حدث مع إبراهيم الخليل عليه السلام؛ واستدلوا لهذا بحديث جابر رضي الله عنه المتقدم.
القول الثاني: أن المراد بـ (الورود) هو (المرور) على الصراط المضروب المقام فوق جهنم.
ودليل من قال بهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: ( ... ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلِّم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم) متفق عليه.
وأيضًا ما جاء عند مسلم من حديث جابر رضي الله عنه، وفيه: ( ... وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون ... ).
وفي رواية ثانية لـ مسلم، جاء فيها: ( ... فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقوم فيؤْذن له، وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي! أي شيء كمر البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر، ويرجع في طرفة عين، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط، يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل، فلا يستطيع السير إلا زحفًا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب، معلقة مأمورة بأخذ من أُمرت به ... )
فهذه الأحاديث وما في معناها، تدل على أن المراد بـ (الورود) هو (المرور) وليس (الدخول).
وذكر الشيخ الشنقيطي في تفسيره، أنه قد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه، و الحسن البصري، و قتادة، أنهم فسروا (الورود) في الآية بـ (المرور).
القول الثالث: أن المراد بـ (الورود) هو (المشارفة) و (المقاربة) وليس (الدخول) ولا (المرور).
ودليل من فسر الآية بهذا بعض آيات ورد فيها لفظ (الورود) بمعنى (المشارفة) و (المقاربة)، كقوله تعالى: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم} (يوسف:19)
وقوله سبحانه: {ولما ورد ماء مدين} (القصص:23)، قالوا: (ورود) الماء لا يلزم منه الدخول فيه؛ لأن (الورود) في الآيتين، لو كان يعني (الدخول) فيه، لكان معناهما غير مستقيم، فتعين أن يكون المقصود بـ (الورود) فيهما (ورود) مقاربة ومشارفة.
والذي يؤيد أن (الورود) بمعنى (المشارفة) و (المقاربة) قولك: وردت الماء إذا جئته، وليس يلزم أن تدخل فيه.
ومن هذا القبيل قول زهير بن أبي سلمة:
فلما وردن الماء زرقا جمامه = وضعن عصي الحاضر المتخيم
قالوا: والعرب تقول: وردت القافلة البلد، وإن لم تدخله، ولكن قربت منه.
************
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخطاب في الآية خاص بالكافرين ولا يشمل المؤمنين.
ودليل من قال بهذا، أن السياق الذي وردت فيه الآية وارد في أهل النار، والحديث عنهم دون غيرهم، وإذا كان الأمر كذلك، كان الأنسب - بحسب رأي هذا الفريق - حمل الآية على الكافرين دون المؤمنين؛
لأن حمل الآية على أنها خطاب للمؤمنين والكافرين في آن معًا - كما يقول ابن عاشور - " معنى ثقيل ينبو عنه السياق، إذ لا مناسبة بينه وبين سياق الآيات السابقة؛
ولأن فضل الله على المؤمنين بالجنة وتشريفهم بالمنازل الرفيعة، ينافي أن يسوقهم مع المشركين مساقًا واحدًا "
لكن، يجاب على من استدل بالسياق، بالسياق نفسه، حيث جاء فيه ما يفيد نجاة المؤمنين من هذا (الورود)، وذلك في قوله تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}.
وقد تقدم أن الذي عليه أكثر أهل التفسير، أن الآية عامة في المؤمنين وغير المؤمنين، لكن الخلاف وقع بينهم في تفسير هذا (الورود):
هل هو دخول إلى النار؟
أم هو مرور على جسر منصوب عليها؟
أم هو اقتراب منها؟
وكل هذه المعاني يحتملها معنى (الورود)، وعلى ضوئها يمكن فهم الآيتين الكريمتين والجمع بينهما، ويزول ما يبدو بينهما من تعارض.
(الشبكة الإسلامية)
ـ[أبو الربيع الزهراني]ــــــــ[12 - 05 - 2008, 11:42 ص]ـ
أنار الله بصيرتك أخي نبض القصيد على هذا النقل.
ـ[نبض القصيد]ــــــــ[18 - 05 - 2008, 06:21 م]ـ
أنار الله بصيرتك أخي نبض القصيد على هذا النقل.
جزاك الله خير الجزاء أخي الفاضل , أشكر لك اطلاعك.