تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[لافتات المحال التجارية خطر على اللغة العربية]

ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[15 - 05 - 2008, 06:51 ص]ـ

إن أنسَ لا أنسَ تلك الندوة التى نظمتها إدارة جامعة الخرطوم على شرف الدكتور عبد الله الطيب فى حديقة السكرتير الأكاديمى مساء الخميس الموافق 7/ 4/1983م حيث كان الدكتور مغادراً إلى المغرب غداة يوم الجمعة التالى. وقد طلبت هيئة التدريس بالجامعة وعلى رأسها مدير الجامعة آنذاك المرحوم عمر بليل من د. عبد الله الطيب أن يقدم لهم ندوة اختاروا لها عنوان (مسائل أدبية). قام البروفسور/ عمر بليل بتقديم عبد الله الطيب للحاضرين قائلاً: (إن د. عبد الله غنىٌّ عن التعريف ويكفيه فخراً أنه أول سودانى نال شهادة الدكتوراة ... الخ). وبعدها استهل عبد الله الطيب الندوة بقوله: (قبل أن أبدأ الحديث عن الندوة التى اخترتم لها عنوان: مسائل أدبية أود أن أصحح خطأً تاريخياً وقع فيه البروفسور عمر بليل وهو أنى لم أكن أول من نال شهادة الدكتوراة من السودانيين فقد سبقنى إليها المرحوم/ مكى شبيكة الذى نالها فى ديسمبر 1949م وأنا نلتها فى يوليو 1950م). ومن ثم شرع فى الحديث عن الأخطاء التى طرأت على اللغة العربية بسبب ما سماه " بلغة الصحافة" التى تأثرت بالتراجم الخاطئة وأبرز مثال ضربه الدكتور كان حول " الكاف" الإنجليزية التى لا علاقة لها بالعربية كقول أحدهم (اعمل كتاجر فى السوق) والصحيح (أعمل تاجراً) لأن الحقيقة لا تشبّّه فأنت أصلاً تاجر، إذن ليس هناك وجود للكاف. فهذه الكاف الدخيلة هى as فى الإنجليزية و comme فى الفرنسية، والإنجليزية والفرنسية ــ حسب عبد الله الطيب ــ بنتا عمومة ولا حرج فى أن تأخذا من بعضهما أما الأخذ المتنطع ونقله إلى العربية فلا يجوز. واستشهد عبد الله الطيب بالآية الكريمة على لسان سارة زوجة سيدنا إبراهيم: (قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلى شيخاً إن هذا لشىءٌ عجيب) ولم تقل " كشيخٍ". ومن تهافت لغة الصحافة الإتيان بمصدر غريب متأثر بالترجمة الخاطئة كقولهم " استمرارية" والصحيح " استمرار" فجواز هذا المصدر الخاطىء مثل جواز " أكلية" و" شجرية" أو كما قال عبد الله الطيب: (وإلا لجاز لنا أن نقول أكلية وشجرية من الأكل والشجر). وأشار د. عبد الله إلى أن التراجم غير الصحيحة هى أس المشكلة والترجمة حرفة قديمة حيث نقلت بفضلها علوم الإغريق إلى العربية وأشار إلى أن هناك قصيدة يونانية منظومة من سبعة ألف بيت تدور حول " الطب بالأعشاب" تمت ترجمتها إلى اللغة العربية وقال إنه سيهديها إلى البروفسور عمر بليل (ولا أدرى أهداها له أم لا فكلاهما الآن فى ذمة الله). ولم ينس د. عبد الله أن يهاجم بالمناسبة وكعادته شعراء الفرنجة الذين قال إنهم نظروا فى الشعر العربى وسرقوا منه واستدل على ذلك بقصيدة الشاعر وليم بليك (1757ــ 1827) عن " النمر" التى قال إن بليك نظر فى مطلعها إلى معنى بيت المتنبى عن " الأسد" حيث يقول وليم بليك:

Tiger, Tiger burning bright,

In the forests of the night

ومعناه: النمر، النمر، يا من تشتعل عيناه نوراً لامعاً بالليل فى الغابات.

ويقول المتنبى واصفاً الأسد: ما قوبلت عيناه إلا ظنتا تحت الدجى نار الفريق حلولا

ومعناه: ما إن نظرت إلى عينى الأسد ليلاً إلا ظننت هذين العينين ناراً موقدة هنا وناراً موقدة جوارها حيث أوقدهما فريق العرب الرحَّل الذي حلَّ فى الغابة. كما أشار فى تلك الندوة إلى سرقة الشاعر الإنجليزى جون ملتون (1608ــ 1674) صاحب " الفردوس المفقود" Paradise Lost الذى نظر فى "رسالة الغفران" لأبى العلاء المعرى. ولكن المفارقة أن الفردوس المفقود تتحدث عن تجربة ما قبل الخليقة أما رسالة الغفران فتتحدث عن تجربة ما بعد البعث. وأذكر ضمن ما أذكر أن سائلاً عجلاناً سأل د. عبد الله بعد نهاية الندوة قائلاً له: (أنت تقول إن جون ملتون سرق من المعرى، فلماذا لا يكون المعرى هو الذى سرق من ملتون؟). فأجاب عبد الله الطيب بكل بساطة: (بالطبع لأن المعرى سبق ملتون تاريخياً ولا يمكن للسابق أن يسرق من اللاحق، كما لا يمكن لمن كان ميتاً أن يسرق ممن كان حياً). وأذكر أننى أخبرت ــ بعد عام من تلك الندوة ــ د. جون أباظة أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة الخرطوم الذى كان يُدرِّسنا " الفردوس المفقود" أن د. عبد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير