[التأليف في الأنساب بين المعايير والمحاذير فائز بن موسى]
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[15 - 06 - 2008, 12:07 م]ـ
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، الذي خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين القائل في كتابه المبين: {ّهٍوّ الذي خّلّقّ مٌنّ الماء بّشّرْا فّجّعّلّهٍ نّسّبْا وّصٌهًرْا وّكّانّ رّبٍَكّ قّدٌيرْا}.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيد الخلق أجمعين نبينا محمد الأمين القائل (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام)، وبعد:
لا يخفى على المتابع للإصدارات الأدبية والتراثية في الآونة الاخيرة تزايد الاهتمام بعلم الأنساب من خلال كثرة المصنفات والموسوعات المتعلقة بأنساب القبائل العربية والأسر المحلية «2»، حتى تحولت هذه الظاهرة إلى قضية مثيرة للجدل، وربما للقلق والانزعاج، مما ادى إلى ظهور بعض الأصوات المنادية بالحد من هذه الظاهرة نتيجة لبروز الكثير من سلبيات الاندفاع وراء هذا الموضوع من بعض المتعصبين للأنساب والمبالغين فيها، او من خلال تحول التأليف في هذا العلم إلى تجارة يمارسها اصحاب المؤلفات التجميعية، مستغلين رواج هذه الكتب في الأوساط العامية والشعبية.
ويدور محور هذا البحث حول إلقاء الضوء على ظاهرة تزايد التأليف في الأنساب، وكثرة الإصدارات والمؤلفات فيه خلال العقود الثلاثة الاخيرة.
ولابد قبل مناقشة هذه القضية من التوقف عند بعض النقاط المهمة مثل:
أصل هذا العلم وفضله:
. اهتمام العرب بأنسابهم.
. موقف الإسلام.
أسباب الاهتمام بعلم النسب: «أسباب غريزية/ أسباب حضارية/ أسباب اخرى».
اهتمام المستشرقين بالأنساب: «دراسة المؤلفات ونشرها/ مشجرات الأنساب/ الدوريات العلمية».
أهم معوقات علم الأنساب.
أهم المحاذير التي يقع فيها الباحثون في الأنساب.
أهم المعايير والضوابط المقترحة.
التوصيات والاستنتاجات.
1 أصل هذا العلم وفضله
أ اهتمام العرب بأنسابهم
إن من يطلع على تاريخ العرب قبل الإسلام يدرك مدى اهتمامهم بحفظ أنسابهم واعراقهم، وانهم تميزوا بذلك عن غيرهم من الأمم الاخرى، ولا يعزى ذلك كله إلى جاهليتهم، كما لا يعزى عدم اهتمام غيرهم كالفرس والروم إلى تحضرهم، وسيتضح لنا ذلك من خلال ما سنعرض له من جوانب في هذا البحث، وإن كان الجهل قد أفرز عصبية بغيضة اساءت إلى علم النسب سواء في ذلك العصر او حتى في عصور الإسلام المتأخرة. وقد عزى ابن عبد ربه سبب اهتمام العرب بأنسابهم لكونه سبب التعارف، وسلم التواصل، به تتعاطف الأرحام الواشجة، وعليه تحافظ الاواصر القريبة، وهو موئل يائسهم، ومرجع بائسهم، به يشد الأزر، ويأمن الخائف، فلا عجب ان جعلوه حصناً لهم، وامنا يعتزون به، ويحافظون عليه «3».لقوله تعالى:
{ّهٍوّ الذي خّلّقّ مٌنّ الماء بّشّرْا فّجّعّلّهٍ نّسّبْا وّصٌهًرْا وّكّانّ رّبٍَكّ قّدٌيرْا} [الفرقان: 54]. وقوله تعالى {يّا أيها الناس إنَّا خّلّقًنّاكٍم مٌَن ذّكّرُ وّأٍنثّى" وّجّعّلًنّاكٍمً شٍعٍوبْا وّقّبّائٌلّ لٌتّعّارّفٍوا} [الحجرات: 13].
وإذا كانت جاهلية العرب قد أساءت إلى علم النسب احياناً بسوء استخدامه، فإنها قد اساءت اليه ايضاً من ناحية عدم التدوين الذي تميز به العصر الجاهلي، ولذلك فقد تأخر تدوين الأنساب، ولم يبدأ الا مع بداية العصر الإسلامي. وبسبب غياب التدوين اضطر العرب إلى حفظ انسابهم والعناية بها عن طريق الحفظ والمشافهة، فاشتهر بذلك عدد من أبناء العرب، ينقلون هذا العلم، وينقل عنهم إلى أن جاء عصر التدوين فأخذ عنهم علماء النسب الأوائل «4».
ومع هذا فينبغي ان لا نغفل بعض الانتقادات الموجهة لقدامى النسابين كابن الكلبي وابن هشام والهمداني وغيرهم، غير أنه يجب التمييز بين جهودهم في حفظ الأنساب وبين بعض الهنات والروايات الضعيفة في مروياتهم «5»
ب موقف الإسلام من علم النسب
وقف الإسلام من علم النسب موقفاً إيجابياً فاكتسب هذا العلم فضلاً وشرفاً تمثل بعناية نبي الهدىمحمد صلى الله عليه وسلم وحث صحابته الكرام على تعلمه، وشهادته لابي بكر رضي الله عنه بالتمكن من هذا العلم.
¥