تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[النحو منجاة؟]

ـ[ابن القاضي]ــــــــ[07 - 07 - 2008, 10:32 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قرأ الخليفة المتوكل يومًا ـ وبحضرته وزيره الفتح بن خاقان ـ: (وما يُشْعِرُكُم أَنَّها إذا جاءت). فقال له الفتح: يا سيدي (إنّها إذا جاءت) بالكسر. ووقعت المشاجرة، فتراهنا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلَّبي الشاعر ـ وكان صديقًا للمبرّد ـ فلما وقف يزيد على ذلك خاف أن يَسْقُطَ أحدهما، فقال: واللّه ما أعرف الفرق بينهما؛ وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدم. فقال المتوكل: فليس ههنا من يُسأَل عن هذا؟ قال ما أعرف أحدًا يتقدم إلا فتى بالبصرة يُعرف بالمبّرد. فقال: ينبغي أن يُشْخَص. فلما أُدْخِل المبّرد على الفتح بن خاقان، قال له: يا بصريّ، كيف تقرأ هذا الحرف (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت لا يؤمنون) بالكسر، أو (أنها إذا جاءت) بالفتح؟ قال المبرد: (إنها) بالكسر. وذلك أن أول الآية: (وأَقْسَموا باللّه جَهْد أَيمانهم لئن جاءَتهم آية لَيُؤْمِنُنَّ بها، قُل إِنما الآيات عند اللّه وما يُشْعِرُكم)، ثم قال تبارك وتعالى: يا محمد (إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) باستئناف جواب الكلام المتقدم) قال الفتح: صدقت. ثم ركب إلى دار أمير المؤمنين، وعرّفه بقدوم المبرّد، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه فأمر المتوكل بإحضار المبرد. فلما وقعت عينه عليه قال: يا بصريّ، كيف تقرأ هذه الآية: (وما يُشْعِرُكم إنها إذا جاءت) بالكسر، أو (أَنَّها إذا جاءت) بالفتح؟ قال المبّرد: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرأها بالفتح. فضحك المتوكل وضرب برجله اليسرى، وقال: أَحضر يا فتحُ المال. فقال: إنه واللّه يا سيدي قال لي خلاف ما قال لك. فقال المتوكل: دعني من هذا؛ أحضر المال. وخرج المبرّد، فلم يصل إلى الموضع الذي كان أُنْزِلَه حتى أتته رُسُل الفتح. فلما أتاه قال له: يا بصريّ، أوّل ما ابتدأنا به الكذب! قال المبرّد ما كذبتُ. فقال: كيف وقد قلتَ لأمير المؤمنين إن الصواب: (وما يُشْعِرُكم أَنها إذا جاءت) بالفتح؟ فقال: أيها الوزير، لم أقل هكذا، وإنما قلت: أكثر الناس يقرأها بالفتح. وأكثرهم على الخطأ. وإنما تخلَّصتُ من اللائمة، وهو أمير المؤمنين. فقال الفتح: أحسنت!

من كتاب "طبقات النحويين واللغويين" للزُّبيدي الأندلسي.

قال أبوحيان في البحر المحيط:

كسر الهمزة والياء هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي بكر بخلاف عنه في كسر الهمزة وهذه قراءة واضحة، أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون البته على تقدير مجيء الآية وتم الكلام عند قوله: {وما يشعركم} ومتعلق {يشعركم} محذوف أي {وما يشعركم} ما يكون فإن كان الخطاب للكفار كان التقدير {وما يشعركم} ما يكون منكم ثم أخبر على جهة الالتفات بما علمه من حالهم لو جاءتهم الآيات وإن كان الخطاب للمؤمنين كان التقدير {وما يشعركم} أيها المؤمنون ما يكون منهم، ثم أخبر المؤمنين بعلمه فيهم.

وأما فتح الهمزة والياء فهي قراءة نافع والكسائي وحفص، فالظاهر أن الخطاب للمؤمنين والمعنى وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية التي تقترحونها إذا جاءت لا يؤمنون بها يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنتم لا تدرون بذلك، وكان المؤمنون يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية، ويتمنون مجيئها فقال: وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير