[إلى أخي مدرس اللغة العربية]
ـ[الفهد التائه]ــــــــ[15 - 05 - 2008, 08:22 م]ـ
:::
إلى أخي مدرس اللغة العربية ...
أخي الكريم: عَمَرَ الله بالتقوَى قلبَك، وأنار بالطاعة لبّك، وأفاض عليك منَ البر ما أنت به جدير، وأقام بيني وبينَك من الوُد سبباً، ومن الإخلاص نسبا، وحبَبَ إليك لغة القرآن، وجَعَلها في السويداء من قلبك.
فقد قيل: "إن من أحَبَّ الله تعالى أحَب نبيه محمداً صلوات الله عليه. ومن أحَب النبي العربي أحَب العربية، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها وَصَرَفَ هممت إليها ِلأن الإقبالَ عليها من الدين، فهي لغة كتاب الله الكريم، وأداة التفقه في دينه القويم، ووسيلة العِلم، وسبَبٌ من أسباب إصلاح المعاش والمعاد.
ولقد كنتَ - حفظك الله - أنتَ وأبناؤك الطلابُ نصْبَ عيني وأنا أعِد هذا الكتاب، فما فارقتم خاطري أبداً، ولا غبتم عن خيالي لحظة.
وكان من أثر ذلك أن حَرَصتُ أشد الحِرْصِ على أن أجعل رحلتكم مَعَهُ قليلةَ العناء، خفيفةَ الأعباء، ممتعةً إلى أبعد مدىً يتيسر لكتابِ في النحو، مفيدَةً في أكثرَ من جانب.
لذا حَرَصت على أن يكون الكتاب مُقَوماً للسان، مُعيناً على البيان، مُغْنياَ للفكر، حاضا على كريم الخلال، منفراَ مما لا يليق بالمسلم، موجًهاَ أبناءنا الطلابَ للاعتدادِ بتراثهم الثمين، والاعتزاز بسلفهم الميامين.
ومن أجل ذلك عَزَفت عن المثال المبتذل وأعْرَضْت عن النص الذي لا طائل تحته، وشَحَنتُ الكتاب بأروع ما في كنوز تراثنا العريقِ من مَثَل سائر، وحكمة بالغة، وموعظة نافعة ونادِرَة طريفة، وكلمة مُشرِقة وموقف فَذ، وعلى رأسِ ذلك كله قبَسَات من آي الذكر الحكيم وومضاتٌ من حديث الرسول الكريم، وجعلْتُ ذلك مادة الكتاب وروحه.
ثم إني حاولت ما وسعني الجهد أن يكون الكتاب سَهْلَ العبارة محكم الأداء منظقي التسلْسُل ليغدو سَهْلَ التناول قريب المأخذ.
وبعد، فلو كانت الوصية تترَك لِفَضْلِ علم لَتركَتْ بالنسبة لك ولكنى على الرغم من ذلك أجدُ أن من حَقك عليّ أنْ أذكرك ما لستَ بناسيه فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
على أنَ هذا الذي سأقوله لك ليس بخطوات يتلو بعضها بعضا كتلك التي قرأتها في كتبِ أصولِ التدريس، وإْنما هو خطراتٌ بدا لي أن في ذكرها خيراً، فتقبلها مشكوراً منى مأجورا من الله.
ولعل من أهَم هذه الخواطر:
1 - أن تُشْعر طلاَبك - حُب العربية، وأن توقدَ في نفوسهم الغَضَّةِ جذوة الحماسة لها، وأن تذكرهم على الدوام بأن أيَّ تهاون فيها أو تفريط بفرع من فروعها إنما هو تفريطً في وجودنا ونَيْل من عقيدتنا وعمل يرمض أفئدَة أصدقائنا الأودّاء ويقر عيون أعدائنا الألداء.
2 - وأن تبصرهم. بمكانة النحو من هذه اللغة، وأنّه الأداةُ التي تعصِمُ اللسان من الخطأ، وتصون البيان من العجمة، وأّنه المصباح الذي يضيء للفكر سبل الفهم السليم، والدليل الذي يرشد الذهن إلى طرق الإدراك القويم. وأن تذكرهم بقصة تلك السيدة العربية السرية التي وَفَدَتْ على الحجاج فَلَحَنَتْ وهي تُحَدثه، فاستعظم ما فرَط منها، وقال لها قوله المشهورة: " أتلحَنين وأنت شريفة"؟!!. وما إلى ذلك من القصص الطافحة باستهْجَانِ اللحن واستنكاره وهي كثيرَة جداً.
3 - وأنَ تحملهم – سدد الله خطاك وخطاهم – على إعداد دروس القواعد في المنزلِ قَبْلَ تقريرها في الحِصَّة، فقد كانت هذه طريقة أسلافنا الكرام، فما كانوا يسمحون لطالب علم أن يحضر حلقة من حلقاتهم إلاَّ إذا أعدَّ دَرْسَهُ من قبل، وكان من ثمَرةِ ذلك أن بَلَغَ طلابُهم ما بلغوه من معرفة، وحققوا ما حققوه من تعمق وإتقان.
ثم جاء المربون المحدثون ففطنوا إلى أهمية هذه الطريقة وحضوا في كتبهم الجديدة على الأْخذ بها، وقالوا: إن الطالب الذي يُعِدُّ درسه في المنزل يأتي إلى قاعة الدّرس وعِندَه سؤال، والطالب الذي عِندَه سؤال هو الذي يتعلم.
4 - وأن تكلفهم إجراء التمرينات كلًها وأن تُشعرَهم بأهميتها وألا تفتح لهم باباً للتهاون بها.
فلا خيرَ في هذا النحو إذا لم تتحَول قواعِدُه من معلومات ذهنية إلى مهاراتٍ لغوية، ولن يتحقق ذلك إلا بالتدريب الوافر الوافي.
¥