[عن جناحي القلب: الرجاء والخوف.]
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 05 - 2008, 06:37 ص]ـ
للقلب جناحان يطير بهما شوقا إلى لقاء الباري، عز وجل، فإن كُسِر أحدهما: اختل القلب واضطرب، فمن يائس قنِط، أو مستهتر لعِب، وخير الأمور الوسط، ذانكم: الرجاء والخوف.
فبالرجاء تكون الطاعات، فإن العبد إذا أحسن الظن بربه، رجا ما عنده من ثواب، وإذا أساء الظن، يئس من روح الله وسعته فكان من الكافرين، وفي التنزيل: (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، قالها يعقوب عليه السلام في أشد لحظات الابتلاء بفقد ولديه: يوسف وبنيامين، فلم يزده ذلك إلا رجاء في مولاه، فكان جزاؤه: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
يقول الحسن البصري رحمه الله: "إنَّ قوماً ألهتم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظن بالله، وكذبوا لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل". اهـ
والرجاء من أعظم منازل المريد، خلافا لما قرره أبو إسماعيل الهروي، رحمه الله، صاحب "المنازل"، فإن أهل الطريق زهدوا فيما عند الله، عز وجل، من الثواب، فخرجوا عن طريقة صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال قائلهم: ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك، وقال محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم للأعرابي الذي لا يحسن إلا: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ" بعد تشهده: (حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ)، فهي المطلوب الأعظم، فكيف يسألها من يأتيه وحي السماء ويزهد فيها أهل الطريق؟!!!.
والرجاء لازم المحبة، يقول ابن أبي العز رحمه الله:
"ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئا - استلزم رجاؤه أمورا:
أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك، فهو من باب الأماني، والرجاء شيء والأماني شيء آخر فكل راج خائف، والسائر على الطريق إذا خاف أسرع السير، مخافة الفوات". اهـ
وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ).
وهو عند ابن أبي شيبة، رحمه الله، من حديث أبي ذر، رضي الله عنه، وعند الحاكم في مستدركه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.
أما من رجا وخاف بلا عمل، فدعواه كاذبة وبضاعته كاسدة و:
الدعاوى إن لم تقم عليها ******* بينات فأصحابها أدعياء
وبالخوف تجتنب المعاصي والآثام، فإن التصديق بخبر الله عن عذاب العاصين، والاعتبار بقصص السابقين والمعذَبين، يبعث الهمم على مخالفة طريقتهم، والتزام طريقة الموحدين.
ومن أفرط في الخوف: يئس، ومن أفرط في الرجاء: عبث ولعب.
يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:
"وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه»، ولهذا قيل: إن العبد ينبغي أن يكون رجاؤه في مرضه أرجح من خوفه، بخلاف زمن الصحة، فإنه يكون خوفه أرجح من رجائه.
وقال بعضهم: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، وروي: ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد". اهـ
فأعمال القلوب تتكامل، فخوف في الصحة، ورجاء وحسن ظن في المرض، وترقب وحذر في الحياة، وتفاؤل واستبشار عند الموت، و: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، و: الجزاء من جنس العمل.
وعن المفاضلة بينهما يقول ابن القيم، رحمه الله، في "طريق الهجرتين":
"إن الخوف يتعلق بالأَفعال، (أي: أفعال الله عز وجل)، وأَما الحب فإنه يتعلق بالذات والصفات. ولهذا يزول الخوف في الْجنة، وأما الحب فيزداد.
ولما كان الحب يتعلق بالذات كان من أسمائه سبحانه "الودود"، قال البخاري في صحيحه: "الحبيب"، وأما الخوف فإن متعلقه أفعال الرب سبحانه ولا يخرج عن كون سببه جناية العبد، وإن كانت جنايته من قدر الله. ولهذا قال على بن أبى طالب رضي الله عنه: لا يرجونَّ عبد إلا ربه، ولا يخافنَّ عبد إلا ذنبه.
فمتعلق الخوف ذنب العبد وعاقبته، وهى مفعولات للرب، فليس الخوف عائداً إلى نفس الذات. والفرق بينه وبين الحب:
أن الحب سببه الكمال، وذاته تعالى لها الكمال المطلق، وهو متعلق الحب التام.
وأما الخوف فسببه توقع المكروه، وهذا إنما يكون في الأَفعال والمفعولات". اهـ
فالحب مقصود لذاته: قصد غايات، والخوف: مقصود لغيره قصد وسائل.
والله أعلى وأعلم.