تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحطامها، فتجدهم أحرص الناس على كرسي ولو تحت أقدام اليهود. هذه الزعامات ربطت مصيرها بعجلة الكفر، وخانت أمتها في أعز ما تملك، وحضرت مؤتمر مدريد وما أدراك ما مدريد؟! لقد اختار أهل الكتاب أن يسجلوا تاريخ نصر اليهود واستعادتهم لمملكة التلمود؛ حيث استعاد النصارى فردوسهم المفقود، وفي البقعة التي انطلقوا منها لاكتشاف العالم الجديد، الذي تزعَّم المؤتمر المنكود. ولئن كان هذا المؤتمر المتآمر هو سبب المحاضرة المباشر، ومع ذلك فإنني لم أخض في تفصيلات الأحداث وتحليلات الوقائع فيه أو فيما تلاه؛ بل لم أجهد نفسي للبحث في ذلك لسبب واحد: هو أن الإسلام قد غاب -بل غُيِّبَ- عن المؤتمر، وإنما حضره اليهود والنصارى وأولياؤهم الذين لو فتحوا القدس بل لو فتحوا روما لما كانوا إلا مرتدين ملحدين، فكيف وهم يتكففون السلام ويقبلون الأقدام، ويدفعون الجزيات الجسام، وما مدريد إلا زيادة في الكفر وإيغال في الردة. وإنما القصد الأول لمن وفقه الله لحمل ميراث النبوة، وتجديد الدين أن يعيد الناس إلى حقائق الإيمان وأصول الدين مستمدة من منبعها الصافي ومعينها الزلال، ثم يأتي الحديث عن مكر الأعداء، ومؤامرة الدخلاء تبعاً لا قصداً، ووسيلة لا غاية. وقد وفق الله تعالى هذه الصحوة الممتدة المباركة لبدء الطريق من أوله، والبناء من أساسه، والإقبال على تصحيح العقيدة، وتقويم المسار، وربط كل قضية مهما صغرت بأصل الدين والإيمان وحقيقة العبودية، فبان لها سبيل الولاء والبراء، وظهر لها كيد المنافقين وأهل الكتاب في الأصل والجملة، وأصبح لزاماً على من تصدر لتذكيرها بأيام اللّه، وتبصيرها بدين الله أن يبينوا لها من المعالم ما هو أكثر تفصيلاً وأبين قيلاً؛ وذلك بالتوعية العامة للقاعدة العريضة من الأمة مع مخاطبة الفئة المثقفة بما يلائمها من عميق الفكر ودقيق البحث. فالتوعية العامة التي تتخذ شكل العرض الواضح والحقائق المبسطة، والربط الجلي بين مقتضيات العقيدة وأحداث الواقع، من أجلِّ الواجبات على من بصره اللّه بذلك من قادة الصحوة، فهي فوق كونها مقتضى الإيفاء بميثاق الكتاب من أعظم الحقوق لهذه الصحوة عليهم، لتتجلى معالم اليقين، ولتستبين سبيل المجرمين، وهذه الإبانة هي أساس لعقيدة الولاء والبراء، وهذه العقيدة أساس لمخاطبة الغرب الكافر باللغة التي يفهمها، ولا يفهم سواها -اللغة التي يرهبها الغرب- مع أننا لا زلنا في أبجديتها. إن الحديث عن الحقوق المشروعة، والقرارات الدولية التي استنزفت وتستنزف من الإعلام العربي ما يملأ البحار لم يجد أذناً - ولا عُشرَ أذن - كتلك التي أحدثها انفجار مشاة البحرية في بيروت، والهجوم على ثكناتهم في مقديشو، بهذه اللغة وحدها يسحب الكفر أذيال الهزيمة، وتنحني هامات الخواجات العتية أمام مجموعات طائفية، وعصابات قبلية، وليست جيوشاً دولية، وإن استرداد بضعة قرى ومدن في البوسنة قلب المؤشر الصليبي، وأرغمه على إعادة حساباته، وإن أي خطاب للكفر لا يستخدم هذه اللغة هو لغو من القول وزور من العمل. والغرب الذي يجرد الجمهوريات الإسلامية من سلاحها النووي ويكدسه بيد روسيا الأرثوذكسية، بل يرغي ويزبد إذا اشترت دولة عربية سلاحَا من الصين أو الأرجنتين، إنه لا يرضى بأقل من أن نصبح خدماً بين يديه (كتلك الصورة التي نشرتها الصحف الأمريكية للمسلمين وهم يمسحون حذاء رئيس حكومة اليهود).

* هذا رابط الموضوع http://audio.islamweb.net/audio/inde...audioid=110905 وخشية الإثقال على الفصيح لم أقم بمواصلة العرض.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير