تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قبل عميد الأسرى، كان أمثال "جيفارا" و "غاندي" أفخاخا سقط فيها كثير منا، لعدم التمييز بين السمات الإنسانية والسمات الإيمانية، فالأولى: كالدنيا: يعطيها الله، عز وجل، من يحب ومن لا يحب، والثانية: عزيزة لا يعطيها الله، عز وجل، إلا من أحب، فقد يكون الإنسان: شجاعا، أبيا، لا يهاب الموت، بل يقدم عليه مختارا، وظاهرة الفدائيين مشتركة بين كل الملل والنحل، ولكنه مع ذلك من أجهل الناس بربه، وإن أقيمت له الاحتفالات، وشيدت له التماثيل، وسميت باسمه الشوارع والميادين، فالجهة منفكة، كما يقول العلماء، ليس في الحرب والسياسة فقط، بل في كل مناحي الحياة، وقد شاهدت الأجيال المتأخرة، لاسيما أجيال الستينات أيام المد الثوري وحركات التحرير القومية ......... إلخ، شاهدت في الجامعات: أساتذة ومحاضرين يضرب بعلمهم وأخلاقهم المثل، ومع ذلك لا يحسن أحدهم يتوضأ أو يصلي، ولعله لا يصلي أصلا، فكان مثالا يحتذى في جانب: العلوم والأخلاق، فهي أمور مشتركة اتفقت أمم الأرض على حسنها، ومثالا يجتنب بل يفر منه المرء فراره الأسد في جانب: الإلهيات، فليس عندهم فيها إلا الزيغ والانحراف.

والفصل بين الجانبين عند تقييم المخالف: مما يضمن لصاحب العقيدة الصحيحة: حماية معتقده، وإنصاف مخالفه في نفس الوقت، فلا يهدر تجارب الآخرين لاختلاف الملة أو النحلة، ولا يتسلل الإعجاب بمعتقد باطل إلى قلبه لمجرد أن صاحبه قد حمل بندقية أو أطلق صاروخا على إسرائيل، فسلامة المعتقد لا يعدلها شيء، وفي زمن عز فيه الأبطال، وشغل فيه ساسة الدول الإسلامية بحضور احتفالات "فرنسا" باليوم الوطني، تمكن أهل البدعة من اجتذاب قلوبنا الغافلة بمسرحيات متقنة السيناريو، وقد كان توقيت عرضها: مناسبا، فالتخاذل قد عم، وأحداث بيروت الغربية التي ظهر فيها الوجه الآخر للمقاومة الوطنية لا زالت ماثلة في الأذهان، فكان حتما عليهم صناعة نصر آخر زائف، كنصر تموز 2006، لتغطية وجههم الطائفي القبيح، وكالعادة: أقحم أهل السنة، "الغلابة"، في احتفالات لا تعنيهم من قريب أو بعيد، حتى سألت إحدى المشاركات في أحد المواقع العلمية الشهيرة، وهي من بيروت، عن حكم مشاركة زوجها في الاحتفالات التي استغرقت اليوم كله، وهل هذا عذر في ترك الصلاة، لأن في الاحتفالات شغلا؟!!!!، مع أن الصلاة لم يرخص في تركها ساعة تلاحم الصفوف، فكيف يرخص في تركها لحضور احتفالات "تجميل" وجه المقاومة القبيح؟!.

ولو حاولت الآن في ظل هذا الزخم الإعلامي أن تتلطف في بيان الحقيقة لقريب أو صديق، لاتهمك على الفور بأنك تسفه إنجازات المقاومة، وبأنك "نِكَدي" كما يقال عندنا في مصر، ولا أدري: أيساوي عرض عمر، رضي الله عنه، الذي يخوض فيه القوم ليل نهار، وتقام السرادقات لسبه والطعن فيه بوصفه قاتل فاطمة، رضي الله عنها، كما شاهدت الجماهير في فضائياتهم الغالية المنحرفة، أيساوي: عشرات بل مئات الصواريخ التي تطلق على الدولة العبرية، وبضع احتفالات وهمية تمجد أمثال "رئيس أركان الحزب" الذي حملت عملية التبادل الأخيرة اسمه، والذي اغتيل في شهر فبراير الماضي، في عملية تفوح منها رائحة تصفية الأوراق المحروقة، وهو الذي أشرف بنفسه على تدريب الميليشيات الطائفية في معسكرات "ديزمول" على اغتيال صفوة علمائنا ومفكرينا في العراق؟!!

إن أي محاولة للاصطلاح على عرض أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مقابل صاروخ أو أسير أو حتى أرض محررة: ضرب من الهذيان، لأن التفريط في الأصول: ذلة في الدنيا، كالتي نعيشها بعد أن فرطنا في أصول ديننا، وبوار في الآخرة، وما حمل هذا الحق، الذي بين أيدينا وقد زهدنا فيه، إلينا إلا أولئك الصحب، رضي الله عنهم، فمن طعن فيهم فقد عاد على أصل ديننا بالإبطال.

بل أيساوي ذلك: السكوتَ على انحرافاتهم العقدية في مسائل الإلهية التي بعثت الأنبياء لتقريرها، وغلوهم في آل البيت رضي الله عنهم وأئمتهم أشهر من أن يذكر، وهي أهم وأولى من مسألة عدالة الصحابة، فهي أصل مقصود لذاته، وعدالة الصدر الأول، رضي الله عنهم، فرع مقصود لغيره، فهو مكمل لمسألة الإلهية: غاية خلق الجن والإنس، وما حرصنا على عرضهم الطاهر إلا لحرصنا على عرض صاحب الرسالة، عليه الصلاة والسلام، وعلى ما نقلوه إلينا من الوحي المعصوم.

وعمر، رضي الله عنه، هو الذي أجرى الله، عز وجل، على يديه: تلك الفتوحات التي عرفت القوم دين الإسلام، فدكت جيوشه حصون فارس والروم في العراق والشام وفارس ومصر، فكانت مكافأته: السب والشتم والانتقاص، مع أن أي حق ينعمون به، وإن كان مغمورا في بحار باطلهم، لعمر، رضي الله عنه، يد عليهم فيه.

والذب عن عرض أبي حفص، رضي الله عنه، الصاحب الثاني، أحب إلينا من الذب عن أعراضنا، فدونه الأعراض والدماء والأموال.

وإنا، معشر أهل السنة، بشهادة القاصي والداني وشهادات المستشرقين أعدى أعدائنا المعاصرين على صحة أصولنا أشهر من أن تذكر، لدينا من ميراث النبوة، أصلا وفرعا، دليلا واستدلالا، ما يغنينا عن التطفل على موائد الآخرين، طلبا لعزة مفقودة أو نصر غائب.

وأما إخواننا أهل السنة في لبنان فحالهم يثير العجب:

فمن متخاذل يلقي بنفسه في أحضان "جورج بوش"، ومن عميل يتلقى راتبه من طهران ليروج لمذهبها المنحرف باسم الدين، ومن باحث عن الشهرة والقيادة، ولو على حساب إخوانه، فتراه يخطب الجمعة للجموع المحتشدة في "ساحة رياض الصلح"، استنادا إلى فتوى سماحة السيد بجواز الصلاة خلف المخالف: تقية بطبيعة الحال، ولكنها هذه المرة سياسية!!!!.

وإلى الله المشتكى.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير