تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5 - مسلم هذا ممن وفد على عمر بن عبد العزيز في قوم معه، كما ذكر الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (45/ 397/برقم 5302) ط/دار الفكر في ترجمة "عُمردن" ومعلوم أن الناس لا يُرْسلون وفدًا عنهم إلى الأمير إلا إذا كانوا من علياء قومهم، أو على الأقل من المعروفين، وإن كان في السند الذي ذكر الوفادة عنعنة بقية عنه.

6 - الرجل مولى ميمونة أم المؤمنين – رضي الله عنها- ومعلوم أن الرجل إذا كان مولى لسيِّد صالح؛ فإنه لا يرضاه ولا يبقيه إذا كان في دينه ما يُشان من أجله، فكيف بأم المؤمنين ميمونة – رضي الله عنها-؟

كل هذا يدل على أن الرجل معروف عند بعض الكبار من صالحي الأمة، وهذا يزكيه في دينه، وفي مثل هذا لو قيل: صدوق، أي إذا لم يُعلم منه خلاف ذلك؛ لما كان بعيدًا عن الصواب، ولم أقف على جرح في الرجل، والحكم بالجهالة ليس جرحًا، إنما هو توقف عن قبول روايته لجهالته عند من يرى ذلك، فإذا وقف الباحث في أمر الرجل على ما يرفعه عن الجهالة، ويُثبت له العدالة الدينية؛ فالأصل قبوله حتى يرد خلاف ذلك من جرح في حفظه أو ضبطه، لاسيما إذا كان المرء مشهورًا، لأن الدواعي متوافرة للطعن فيه إذا كان ثَمَّ موجِبٌ أو مُسَوِّغٌ لذلك، والله أعلم.

7 - وقد يُستدل على تقوية حال مسلم بن زياد بأن البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 159) قال في ترجمة سيار بن روح، أو روح بن سيار: له صحبة، يُعَدُّ في الشاميين، قال لي خطاب الحمصي أنا بقية عن مسلم بن زياد: رأيت أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أنس بن مالك، فضالة بن عبيد، وأبا المنيب، وروح بن سيار أو سيار بن روح يرخون العمائم خلفهم ... " الأثر.

فالبخاري احتج على صحبة سيار بن روح أو روح بن سيار بما قاله مسلم بن زياد، فلو لم يكن حجة عنده؛ لما استدل بقوله على صحبة أحد الرواة، ومعلوم أن إثبات الصحبة لأحد الرواة؛ فإنه يلزم من ذلك أحكام كثيرة، وما كان البخاري ليثبت ذلك بما لا يصح عنده، والله أعلم.

فإن قيل: يلزم من ذلك أن تقولوا: والبخاري لا يتوقف في عنعنة بقية، لأنه في سند البخاري إلى مسلم بن زياد بعنعنة بقية.

قلت: يلزم إثبات أن البخاري يعيب على بقية التدليس أولاً، ثم يؤتى بهذا الإيراد، فإني لم أقف على كلام للبخاري في بقية بتجريح أصلاً، فضلاً عن تصريحه بكونه مدلسًا.

فإن قيل: بقية مشهور بالتدليس، قلت: بقية اشتهر عند أكثر من جرحه من الأئمة بالرواية عمن أقبل وأدبر من الضعفاء والمجاهيل، ولا يلزم من ذلك تدليس، وإن كان المدلسون فعلوا ذلك، ومن الأئمة من وصفه بالتدليس، فهل هو عند البخاري ممن يروي عن المجاهيل دون تدليس، أو ممن يدلس، أو ممن لم يجرح أصلاً؟ ومع الاحتمال فلا ترجيح لهذا، أو ذاك، أو ذلك.

فإن قيل: إن البخاري لم يرو عن بقية في "الصحيح" مما يدل على تضعيفه إياه؛ قلت: ليس هذا بلازم كما لا يخفى من أجوبة العلماء عن البخاري في عدم إخراجه في "الصحيح" عن عدد من الثقات.

وعلى كل حال: فالإيراد بلزوم القول بتمشية البخاري عنعنة بقية، وهو مدلس عنده، إيراد مردود، والله أعلم.

وبهذا التقرير يظهر أن العلة الوحيدة في هذه الطريق: هي عنعنة بقية، وهي من العلل التي لا تمنع من تقويتها بطريق أخرى مثلها أو نحوها في الضعْف، والله أعلم.

ولو سلمنا أيضًا بكون مسلم بن زياد مجهولاً؛ فهي علة ليست بشديدة ولا فاحشة، فلا يُدْفع هذا الطريق أيضًا عن صلاحية الاستشهاد به.

الطريق الثانية في حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه-:

من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي عن هشام بن الغاز بن ربيعة عن مكحول عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي ... " الحديث، وفيه: "أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها مرتين؛ أعتق الله نصفه، ومن قالها ثلاثًا؛ أعتق الله ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربعًا؛ أعتقه الله من النار"

أخرجه أبو داود (5/ 196) برقم (5069) دون قوله: "وحده لا شريك له" من روايته عن أحمد بن صالح عن ابن أبي فديك به.

وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" برقم (738) من طريق أحمد بن صالح وجعفر بن مسافر، كلاهما عن ابن أبي فديك به تامًّا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير