ويظهر من هذا روايتهما الحديث على الوجهين، وروايتهما بهذا وذاك عند الطبراني بإسناد واحد، فهل الطريقان محفوظان عن ابن أبي فديك عنهما؟ أعني أن يكون لروايه ابن أبي فديك شيخان، وهما: عبد الرحمن بن عبد المجيد وعبد الرحمن بن عبد الحميد، أم حصل تصحيف؟ كل ذلك محتمل، وأما جعفر بن مسافر فهناك من رواه عنه كذلك أيضًا غير عمرو بن أبي الطاهر بن السرح – تلميذه عند الطبراني في الوجهين السابقين- وهو إسحاق بن أحمد، شيخ أبي نعيم الأصبهاني، وترجمته في "تاريخ أصبهان" (1/ 222) ووصفه أبو نعيم بالتاجر، وأخرج له في "المستخرج على مسلم" وتوفِّي في ربيع الأول سنة (368) فالرجل معروف، لكن تبقى حاله في الحديث محل تردد، وإن كانت الرواية عنه في "المستخرج" قد تنفعه، لكن في النفس شيء من ترجيح الاحتجاج به لمجرد ذلك، إلا أنه لا بأس بالانتفاع بهذه الرواية في جعْل ذِكْر جعفر بن مسافر في هذه القائمة مما له وجه.
3 - صالح بن مسمار الرازي، (وهو صدوق).
4 - محمد بن رافع، (وهو ثقة) وفي السند إليه إسماعيل بن إبراهيم القطان، وترجمته في "تاريخ الإسلام" للذهبي (7/ 290) روى عنه جماعة، ولم أقف على توثيق له، فمثله يصلح في الشواهد والمتابعات لا الاحتجاج.
5 - سريج بن يونس، (وهو ثقة).
6 - عبد القدوس بن يحيى، (ولم أهتدِ لترجمته).
فها هم الذين رووه بهذا الوجه وبذاك، فما هو الراجح؟
قد يقال: من رواه من طريق عبد الرحمن بن عبد المجيد أكثر وأرجح، وإن كان الفارق يسيرًا.
وقد يقال: ما المانع من كون الحديث على الوجهين، لوجود نوع من التكافؤ في الترجيح، إذ الفارق ليس بذاك الكبير عددًا ووصْفًا؟
وقد يقال: حصل تصحيف، لكن يبقى سؤال: ما هي الرواية الأصلية، وما هي الرواية المصحّفة؟ وقد يجاب عن هذا السؤال الأخير بما يلي: عبد الرحمن بن عبد المجيد مجهول لا يُعرف، فلماذا لا يكون السبب في جهالته أن اسمه قد صُحِّف بغير المعروف به؟ وعلى ذلك فيكون الأصل: عبد الرحمن بن عبد الحميد، فإنه راوٍ معروف، وهو عبد الرحمن بن عبد الحميد بن سالم المهري أبو رجاء المصري المكفوف، وهو ثقة، إلا أنه عمي فاضطرب بعد ما عمي.
وقد يرجح هذا أن أبا رجاء المكفوف هذا خال والد عمرو بن أبي الطاهر بن السرح، فهو خال أبي الطاهر، فهل يقال: إن عمرو بن السرح يروي حديث رجل من قرابته؟ محتمل.
وإذا كان كذلك فإن الحديث يكون أقوى حالاً مما لو كان من طريق المجهول عبد الرحمن بن عبد المجيد، لكن الأمر لا يخلو من تردد، إلا أن التردد بين كون الحديث من طريق فيه رجل مجهول أو مقبول، أحسن حالاً من الجزم أو الترجيح بأنه من طريق المجهول فقط، لأن احتمال السلامة من علة الجهالة في الأمر الأول قائم، بخلاف نفي هذا الاحتمال، كما لا يخفى.
ولعله لذلك اختلفت كلمة بعض أهل العلم في ترجيح أحد الوجهين على الآخر:
فقد رجَّح المنذري أنه من طريق عبد الرحمن بن عبد الحميد، كما نقله الحافظ عنه في "نتائج الأفكار" (2/ 376) بل قال: "وجزم به صاحب الأطراف" يعني المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" مع أن الذي وجدته في "تحفة الأشراف" (1/ 410) خلاف هذا، فقد قال المزي بعد أن ذكر الحديث من طريق أحمد بن صالح عن عبد الرحمن بن عبد المجيد السهمي: "ويقال: ابن عبد الحميد بن سالم أبي رجاء المكفوف عن هشام بن الغاز ... "اهـ فظاهر كلامه أنه لا يرجح هذا القول – فضلاً عن الجزم به- لتصديره إياه بصيغة التمريض، فيُنظر ما هو دليل الحافظ على ما قاله، والله أعلم.
ولعله لقوة الخلاف في ترجيح أحد الأمرين قال الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/ 376): "فإن كان كذلك – أي ترجح أنه عبد الحميد- فهو مصري صدوق، لكن تغير بأخرة، وإن كان ابن عبد المجيد؛ فهو شيخ مجهول" اهـ هكذا، ولم يُرجِّح.
لكن على أي حال فالحديث من هذه الطريق لا يُدْفَع عن درجة الاستشهاد به، وتقوية الطريق الأولى التي ليس فيها إلا تدليس بقية به، والله أعلم.
- وأما هشام بن الغاز بن ربيعة شيخ هذا الراوي المختلف فيه فثقة.
- وأما مكحول شيخ هشام، فثقة مشهور، إلا أنه كثير الإرسال، وقد أعله بعض أهل العلم بمكحول من عدة وجوه:
1 - أن مكحولاً لم يسمع من أنس، نقله الحافظ في "تهذيب التهذيب" (4/ 149) وعزاه إلى "الأوسط" و "الصغير" للبخاري.
¥