تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويُرَدُّ عليه بأن الذي في "التاريخ الكبير" (8/ 21) أن البخاري أثبت سماعه من أنس، وكذا في "الأوسط" (3/ 146) فقد نقل البخاري كلام أبي مسهر في سماع مكحول من أنس، ولم يتعقبه، وظاهر ما في "الأوسط" أنه كلام أبي مسهر، بخلاف "الكبير" فإنه ظاهر في أنه من كلام البخاري، وقال أبو زرعة ابن العراقي في "تحفة التحصيل" (ص315): "قال البخاري: إنه سمع من أنس، وأبي مرة، وواثلة، وأم الدرداء، نقلتُ ذلك جميعه من خط والدي، أبقاه الله تعالى" اهـ، فالظاهر أن ما في "تهذيب التهذيب" قد تحرَّف والله أعلم.

2 - وهناك من أعل الحديث بأن مكحولاً مدلس، وقد عنعن، ويجاب عنه بأن مكحولاً اشتهر بالإرسال، وفرق بين الإرسال والتدليس، وإن كان من الأئمة والحفاظ من يطلق الإرسال على التدليس والعكس.

والذين رموه بالتدليس جماعة:

1 - ابن حبان، كما في "الثقات" (5/ 447) وقد قال: "ربما دلس" وهذا يدل على قلة تدليسه، ومن كان كذلك فالأصل تمشية عنعنته حتى تظهر النكارة.

2 - الذهبي، كما في "الميزان" (4/ 177) وقد أطلق القول فيه بأنه كان يدلس، فقال: "قلت: هو صاحب تدليس" وتعقبه الحافظ في "طبقات المدلسين" (ص156) فقال: "ولم أره للمتقدمين إلا في قول ابن حبان" اهـ أي أنه لو كان صاحب تدليس؛ لاشتهر بذلك عند المتقدمين، ولو اشتهر ذلك عندهم؛ لنقله غير ابن حبان، والأمر على خلاف ذلك.

3 - الحافظ، فقد ذكره في "طبقات المدلسين" في المرتبة الثالثة، وهي مرتبة من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ... كما ذكر في مقدمة كتابه، مع أن كلامه السابق في تعقب الحافظ الذهبي يدل على أنه لم يقف على كلام للأئمة في ذلك إلا على كلام ابن حبان.

وقد سبق أن قول ابن حبان إنما يدل على قلة وقوع ذلك منه، والذهبي نفسه ذكر في "تذكرة الحفاظ" (1/ 107) أن مكحولاً كان يرسل كثيرًا ويدلس عن أبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، وعائشة، والكبار" اهـ ومعلوم أن أنس بن مالك ليس من كبار الصحابة، بل هو من صغارهم، وممن تأخرت وفاته بعدهم، فلو سلمنا بتدليسه عن الكبار؛ فأنس ليس ممن يدلِّس عنهم مكحول، وعلى كل حال: فالراجح أن الإعلال هنا بعلة العنعنة إعلال عليل، والله أعلم.

ولو سلمنا بكون مكحول مدلسًا، وقد عنعن، فلماذا لا يقال: هذه علة خفيفة، وما في طريق بقية علة خفيفة أيضًا، فالطريقان يتقويان ببعضهما؟

فإن قيل: إن شيخنا الألباني – رحمة الله عليه- قد منع من ذلك في "الضعيفة" (3/ 145/برقم 1041) لاحتمال أن يكون مكحول – المدلس في نظره- أخذه عن مسلم بن زياد – ذاك المجهول عنده أيضًا- أو غيره، فيرجع الطريقان حينئذٍ إلى كونهما من طريق واحدة، لا يُعْرف تابعيُّها عينًا أو حالاً، ثم قال – رحمه الله-: فمن جوّد إسناده أو حسَّنه لعله لم يتنبه لهذا اهـ.

قلت: لم يُذْكر مسلم هذا في مشايخ مكحول – فيما أعلم- حتى يقال: إنه يحتمل أن يكون روى هذا الحديث عنه، فيعود الحديث إلى كونه من طريق واحدة.

ثم إن قول شيخنا – رحمه الله-: "فيُحتمل أن يكون بينه – يعني مكحولاً- وبين أنس مسلم بن زياد هذا أو غيره" اهـ، فتأمل قوله: "أو غيره" فإن هذا يدل على أن ما ذكره شيخنا هنا هو مجرد احتمال، ولو فتحنا الباب للاحتمالات لربما ما صح لنا حديث.

فإن قيل: هناك احتمال قوي يؤخذ في الاعتبار، وهناك احتمال ضعيف، لا يُلتفت إليه.

قلت: وما نحن فيه من جملة الاحتمالات التي لا تقوى في النفس، لأن مسلم بن زياد لم يُذكر في شيوخ بقية – فيما أعلم والعلم عند الله تعالى- ولو فرضنا أنه قد ذُكِر فيهم: فهل أكثر عنه حتى يقوى احتمال الأخذ عنه في هذا الموضع، إلى درجة الاشتباه في الأمر؟

فإن قيل: إن الطريق إلى مسلم بن زياد لا تصح لعنعنة بقية؛ فالجواب: أن العنعنة من جملة العلل الخفيفة لا الشديدة، وهذا يجعلها مما ينجبر بنحوها، ولو فتحنا هذا الباب؛ لما قوينا سندًا فيه أكثر من علة خفيفة، وهذا بخلاف ما صرح به شيخنا – رحمه الله- في جوابه عليّ فيما ألقيتُه عليه من أسئلة حديثية سنة 1416هـ في مدينة "عمان" حفظها الله وجميع بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير