[يقتنون ولا يقرؤون!! بقلم: نواف آل رشيد]
ـ[أبو المواهب الطنجي]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 03:19 ص]ـ
هذه مقالةٌ نشرت بجريدة الرياض
وهذا نصها:
يقتنون ولا يقرؤون .. !!
مما لا شكَّ فيهِ أنَّه لا بُدَّ لطالبِ العلم - أيَّاً كانَ هذا العلمُ – من اقتناء الكتب والحرص على شرائها وتتبعها والسؤال عنها.
فالكتاب كما يقول الجاحظ: (نعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير والنزيل)
ويقول الشاعر:
نِعمَ المؤانس والرفيق كتاب ** تخلو بهِ إنْ ملّكَ الأصحابُ
لا مُنشياً سِراً ولا متكبراً ** وتُفادُ منهُ حِكمةٌ وصَوابُ
لكن: لا بُدَّ أنْ يقترن الجمعُ بالقراءةِ فبقراءتها تتوسع مدارك القارئ، ويزيد فهمه، وترتفع همته، وتظهر أفكاره، وتبدأ مشاريعه، وهكذا.
ولم تقتنى الكتب إلاَّ لقراءتها. قيل لرجلٍ: ألا تشتري كتباً تكون عندك؟ فقال: ما يمنعني من ذلك إلاَّ أنني لا أعلم، فقيل له: إنما يشتريها من لا يعلم حتى يعلم.
وعجبي من أولئكَ الذينَ (يقتنون ولا يقرؤون!!) وكثيرٌ ما هم، فكم رأينا أشخاصاً ملئوا منازلهم بالكتب ولم يقرأو حتى عناوينها!! يُخادعون أنفسهم وهم لا يشعرون!!
وما أجمل قول محمد بن بشير:
إذا لم تكن حافظاً واعياً ... فجمعكَ للكتب لا ينفعُ!
فالكتبُ كما يقول أبو إسحاق: لا تحيي الموتى، ولا تُحِّول الأحمقَ عاقلاً، ولا البليد ذكياً!!
وما أصدقَ قول القائل في وصفِ المستكثرين من الكتب الجامعين لها دون تبصر فيها ودراية وعلم، وإنما للتزين بها والاستكثار منها:
وكم للشيخ من كتب كبار ... ولكن ليس يدري ما دحاها
ويحسبُ جامعها أنهُ بلغ بذلك عنان السماء، وما درى أنَّ مثله كمثلِ الذي مُدحَ بما لا يستحق، أو بما ليسَ فيه!!
يقولُ محمد الأمير: (وقد بلغني عن بعضِ علماء تونس أنَّه قيلَ لهُ فلانٌ يحفظُ كتاب كذا بأسانيده، فقال: وماذا حصّل غايته أنّه زيدَ في مدينةِ تُونس نسخةً من ذلك الكتاب!!!).
فلا تدل كثرة الكتب على سعة علم مقتنيها وقلتها على قلة علمه! أبداً فكم أبصرنا أُناساً لم تُساعدهم الظروف على جمع مكتبةٍ كبيرة، ومع ذلك برعوا في جانبِ العلم وذاعَ صيتهم بالمعرفة والتحقيق، وكم أبصرنا آخرين ملئوا منازلهم بالكتب بل ربما كانت لهم عدة مكتبات ومع ذلك لم تؤثر الكتب عليهم ولم تزد من معرفتهم ونتاجهم العلمي وبقوا كما هم!! فالعالم بعلمه لا بكثرةِ كتبه!!
يقول العلامة البيومي: (فإنَّ من العجيبِ حقاً أنْ يحرص الأثرياء الذين لا يفهمون شيئاً ممَّا بالكتب العلمية على اقتنائها في خزاناتٍ خاصة تُلحق بالمنزل، وتكون موضع المباهاة! كما يتباهى الثريُّ بما يجمع من الجواهر والحلي سواءً بسواء. ثم يقول: وأنا أعرفُ من يحرصون على اقتناء الكتب بلغةٍ لا يقرؤونها، وتسألهم عن ذلكَ فيقولون: لا بُدَّ أن تجمع المكتبة فنوناً من الكتب العالمية أوروبية وغير أوروبية، لتكون موضع التقدير! وتراهم يعرضونها على الزائرين في مسرّةٍ وابتهاج!)
ويقول السيد عبد الحي الكتاني: (ناهيكَ بأمةٍ وصلَ الحالُ بهم في التباهي والتفاخر إلى التباهي والتفاخر بجمع الكتب وادّخارها وتزيين البيوت والمجالس بكثرتها!!).
لا ألزمك أن تقرأ كل ما اقتنيت صفحةً صفحة!! ومن قال لكَ: هل قرأتَ كل ما اقتنيت؟؟ اعلم أنّه عاميٌّ لا يعرف فنون العلم! فمحالٌ أنْ تقرأ معجماً لغوياً في جَلسة مرةً واحدة!
لا مانع من اقتناء الكتاب الذي تظن أنك ستحتاجُ إليه يوماً من الأيام ولو لم تقرأه إلا بعدَ حين. ولكن لا بدَّ – على أقل تقدير – من تقليب صفحات الكتاب والوقوف على أهم موضوعاته، والنظر في فهارسه، وقراءة مقدمته، أما أن يُقتنى الكتاب و لا يعرف ما فيه وما اسم مؤلفه، ومدى الحاجة إليه، وكيفَ يُستفادُ منه؟ فهذا من الإسراف ومضيعة الوقت وشغل جدران البيت بالزينة والتحمل!!
انظر لحال العباس بن السلطان المولى عبدالرحمن الذي جمعَ مكتبةً كبيرة بمكناسة الزيتون. قال عبدالرحمن بن زيدون في كتابه إتحاف أعلام الناس: (ولا تكاد تجدُ كتاباً من كتبهِ إلاَّ وعليهِ توقيعاته من أولهِ إلى آخرهِ ولو تعددت أجزاؤه وربما قيد ساعة ابتدائه للكتاب بالمطالعة وساعة ختمه).
وانظر لحالِ الجاحظ مع الكِتاب يقول أبو هفّان: (لم أر قطُّ ولا سمعتُ منْ أحبَّ الكتب والعلوم أكثرَ من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قط إلاَّ استوفى قراءَته، كائناً ما كان، حتى إنَّه يكتري دكاكينَ الوارقين، ويبيتُ فيها للنظر).
لكن الحقيقة كما يقول الأديبُ الزيَّات: (الحقُ أننا أمةٌ أمية تنظر إلى الكِتاب نظر المتعظم الخائف، أو المتقنع العازف. وما دُمنا لا نرى الكتاب ضرورة للروح، كما نرى الرغيف ضرورة للبدن، فنحن مع الخليقة الدنيا على هامش العيش أو على سطح الوجود).
ثم إنَّ القراءة تحتاج إلى فهمٍ وعلمٍ وحفظٍ واستحضار. وما أصدق قول الخليل:
ليسَ بعلمٍ ما حوى القِمَطْرُ ... ما العلم إلاَّ ما حواه الصدر
ويقول صاحب كتاب فن الخطابة: العظمة هي قراءة الكتب بفهم.
والكتب تحتاجُ إلى مراجعة ومذاكرة كما يقول القائل:
وأدم للعلم مذاكرة ... فدوام العلم مذاكرته
نواف بن محمد العبد الله آل رشيد
¥