[قصيدة للمجاهد المحفوظ ولد الوالد الشنقيطي]
ـ[أبو المخرنبق لينباع]ــــــــ[04 - 08 - 2009, 08:36 م]ـ
هو الدهر والأقدار يجري بها الدهر ... فما لامرئ نهي على الدهر أو أمر
فصبرا ولا تجزع لما فعل القضا ... وإن جل خطب الدهر واستفظع الأمر
إذا حل عسر فاصبرن لزواله ... فإن جميل الصبر يتبعه اليسر
وإن لم تطق صبرا بأول صدمة ... تصبر فإن الصبر يأتي به الصبر
تصبر ولو أن الذي عال صبره ... مصابك هذا قد يكون له عذر
مصاب به هانت مصائب أمة ... على عتبات الكفر ينحرها الكفر
مصاب بمن من فقدهم تذرف السما ... وتنتحب الأرضون والبر والبحر
كأن المنايا إن تخير وتنتقي ... لها دليل بيننا ولها وتر
فسبحان من أغرى المنايا بأهله ... كأن لها ثأرا وليس لها ثأر
ليختار من يختار منهم ويصطفي ... له الحكمة العليا له النهي و الأمر
توخى الردى فاختار في الناس وانتقى ... خيارا كراما مثلما ينتقى التبر
عصائب نزاع من الأرض كلها ... يوحدهم دين ويجمعهم فكر
توحدهم في الله أقوى عقيدة ... ولا نسب غير العقيدة أو صهر
فما جمعتهم في الأصول قبيلة ... وما ضمهم حي ولم يحوهم قطر
دعتهم ثغور العز من كل موطن ... فطاروا سراعا ما لهم دونها صبر
ثبات ووحدان من الأرض كلها ... يوحدهم هم وأوطانهم كثر
نفى عنهم هم التنعم همهم ... فأبدانهم شعث وأثوابهم غبر
نحافا وسمرا كالرماح تراهم ... وتحمد عند الطعن شعث القنى السمر
ويحمد في العظم البلى وهو قاطع ... ويحسن في الخيل المسومة الضمر
مضوا يشربون الموت كأسا شهية ... ولو أن طعم الموت مستثقل مر
ولكن في ذات الإله ودينه ... لمن أشرب الإيمان يستعذب الصبر
أبوا أن يعشوا كالعبيد بعالم ... تحكم فيه الظلم واستحكم الكفر
فليست تطيق الضيم نفس أبية ... ولا يقبل الإذلال في دينه حر
ففي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفي الموت منأى عنه إن لزم الأمر
فما عاش من عاش الحياة بذلة ... ولو طال ذاك العيش ما بقي الدهر
وما مات من في الله ماتوا فمبتدا ... حياتهم من حيث ينتهي العمر
أولئك إخواني على كل جبهة ... بها منهم ذكر وفي ثغرها قبر
قبورهم بين الثغور غريبة ... يباعد منها السهل والجبل الوعر
وكم من غريب في بلاد غريبة ... وفي الملأ الأعلى له الشأن والذكر
تقل هناك الباكيات عليهم ... وفي أرضهم باكون لو علموا كثر
تعمر آفاق الثغور قبورهم ... وأوطانهم منها مرابعها قفر
سقاهم إله العرش من بحر جوده ... حيا مستمرا لا بطيء ولا نزر
أولئك إخواني فمن لي بمثلهم ... بمثلهم يستنزل النصر والقطر
رفاق بدرب العز والمجد والعلا ... فصحبتهم فخر لمن همه الفخر
وعز به يثنى على المرء في الدنا ... ودين به في الله يلتمس الأجر
وكانت بها الأيام أحلى من المنى ... فطابت بها الدنيا وطاب بها العمر
لئن كان أفناكم من الدهر صرفه ... فإن لكم ذكري سيفنى به الدهر
لدى ذكركم تحيا المحامد والعلا ... وما مات من في ذكره للعلا ذكر
فإن سترت تلك القبور جسومكم ... فثم خصال ليس يسترها قبر
فثم التقى والجود والحلم والنقا ... وصدق اللقا يوم الكريهة والطهر
مغاوير في الهيجا مصابيح في الدجى ... بكم في ليالي الكرب يستطلع الفجر
تجودون بالأرواح إن ضن غيركم ... وما تستوي الأرواح في البذل والوفر
من المجد نلتم غاية بعد غاية ... يقودكم عزم ويدفعكم صبر
ونلتم خصالا لا يغير أهلها ... إذا حل عسر بينهم أو أتى يسر
وثم خصال دونها في علوها ... وإشراقها في ليلنا الأنجم الزهر
ولو رام شعر حصر كل خصالكم ... لأحصر ثم الحصر وانقطع الشعر
ولو أن امرءا أنجاه بر من الردى ... لأنجاكم مما أصابكم البر
ولكنها الآجال إن حان حينها ... فما لامريء بر يقيه ولا بحر
شربتم بكأس قد سقيتم بمثلها ... مرارا وما في ذاك عار ولا نكر
ففتكتكم في الكفر لم ير مثلها ... وما فاق حتى الآن من هولها الكفر
ولا زال مصعوقا بها مترنحا ... كأن به سكرا وليس به سكر
من السكر ما تأتي به الخمر غالبا ... ومنه الذي يأتي به الذعر لا الخمر
فلله عزم من أولي العزم صادق ... ولله صبر ما رأى مثله الصبر
ولله ضرب لم تر البيض مثله ... ولا سمعت عنه الردينية السمر
ولا فعلة في الكفر كانت كفعله ... ولا فتكة فيه عوان ولا بكر
نطحتم بعزم هامة الكفر نطحة ... تهشم منها الرأس وانقصم الظهر
فخرت قلاع الكفر للأرض بعدما ... تبخر منه الشطر واشتعل الشطر
فقامت من الهول الرهيب قيامة ... تحير في أوصافها الفكر والشعر
وأضحى حمى الأعداء للنار مرتعا ... وكان حمى حظرا وما نفع الحظر
ففروا فرارا يجمحون كأنهم ... من الذعر فئران تملكها الذعر
فأدركتم ثأرا من الكفر ضائعا ... بثأر كهذا الثأر فليدرك الثأر
فأنهلتم منه الردى ثم فارتوى ... وعل ولم يعجله من عله الصدر
شفيتم صدورا ملؤها الغيظ قبلكم ... ألا بعد طول الغيظ قد شفي الصدر
وأيقظتم التاريخ بعد سباته ... فقد نهضت حطين واستيقظت بدر
كتبتم نشيدا خالدا بصنيعكم ... تغني به الدنيا وينشده الدهر
سنبقى كما كنا على العهد بيننا ... غزاة بنا يشقى وقد شقي الكفر
نذل سبيل المجد بالبذل والعطا ... وبالصبر للأعدا إذا جزع الصبر
عن الدرب ما حدنا على العهد لم نزل ... إلى أن يحين الحين أو يسعف النصر
إذا ما نزلنا ساحة الكفر في الوغى ... تفشى هناك الموت وانتشر الذعر
فإن نحن نلنا ما نريد ونبتغي ... فذاك وإلا كان في موتنا عذر
يذكرنيكم كل حزن يصيبني ... وكل سرور لي بكم عنده ذكر
ولا عجب إن الشجى يبعث الشجى ... وكل سرور منه في جنسه ذكر
إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم ... وأذكركم ذكرا إذا طلع البدر
وإن جن جنح الليل جدد ذكركم ... وجدده فجري إذا طلع الفجر
ففيكم ولو سطرت كل قصائدي ... لما بلغت في القدر ما أوجب القدر
يعزي أخاكم أنه لاحق بكم ... وإن مد في الآجال وانفسح العمر