تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اللعب بالزمن في يائية النابغة الجعدي]

ـ[النابغة الحضرمي]ــــــــ[02 - 07 - 2009, 01:37 م]ـ

[اللعب بالزمن في يائية النابغة الجعدي]

د. عبد الهادي الفرطوسي

01/ 07/2008

مثلما مارست الاتجاهات الروائية الحديثة اللعب بالزمن فحققت منجزا فنيا رفيعا بفضل تلك اللعبة وخاصة في الاتجاه المسمى تيار الوعي، نلمس في بعض النماذج من الشعر الجاهلي هذا اللعب بالزمن، تأخذ بفضله البنية السردية للقصيدة عدة مستويات زمنية كاسرة ً رتابة السرد التقليدي، الذي يتخذ فيه الزمن مسارا ثابتا من الماضي باتجاه المستقبل محققة بذلك إيقاعا زمنيا خاصا، يمكن أن نسميه الإيقاع الزمني، لقد استعملت الرواية الحديثة المنلوج الداخلي في تصوير" حلم الوعي " استعمالا غير عادي (1)، باعتماد فيضان وعي البطل وقطع فكرة بأخرى (2)، نجد جانبا من هذه الظواهر في بعض نماذج الشعر الجاهلي، ومن بينها يائية النابغة الجعدي.

في هذه القصيدة تتكرر ظاهرة تتابع الأزمنة، والمقصود بتتابع الأزمنة هو مسار الحركة الزمنية في النص " من حيث التوقف الزمني والقفز الزمني والتوافق الزمني " (3) ويمكن تقسيمها إلى ثماني وحدات زمانية، تبدأ بالوحدة الزمنية الأولى متمثلة بخمسة أبيات تصف الدار الدارسة وهطول المطر عليها:

1 - ألم تسأل الدار الغداة متى هيا= عددت لها من السنين ثمانيا

2 - بوادي الظباء فالسليل تبدلت= من الحي قطرا لا يفيق وسافيا

3 - أربّت عليه كل وطفاء جونة= وأسحم هطال يسوق القواريا

4 - فلا زال يسقيها ويسقي بلادها= من المزن رجاف يسوق السواريا

5 - ويسقي شرير البحر جودا ترده= حلائب قرح ثم أصبح غاديا

وفي الوحدة الثانية يدخل النص استرجاعا يستغرق سبعة أبيات، ويعني الاسترجاع إن يكون الحدث السابق في المتن الحكائي لاحقا في المبنى الحكائي (4)، وقد حرص الشاعر أن يعلّق علامة تحديد المفارقة الزمنية على مطلع القصيدة " من السنين ثمانيا " يرسم ذلك الاسترجاع صورة الدار الدارسة وأصلها ومجالسها العامرة وحياتها الصاخبة الملأى باللهو والمرح:

6 - عهدت بها الحي الجميع كأنهم= عظام الملوك عزة وتباهيا

7 - لهم مجلس غلب الرقاب مراجح= قدار الحفاظ يدفعون الأعاديا

8 - وفتيان صدق غير وحش أشابة= مكاسيب للمال الطريف معاطيا

9 - إذا ظعنوا يوما سمعت خلالهم= غناءً وتأبيها ونفرا وحاديا

10 - ورنة هتّاف العشي مكبل= ينازعه الأوتار من ليس راميا

11 - ينازعه مثل المهاة رفيقة= بجس الندامى تترك القلب رانيا

12 - غدا فتيا دهر فمّرا عليهمُ= نهار وليل يلحقان التواليا (5)

الوحدة الثالثة:

يرجع القص إلى زمن الصفر فيصف واقع تلك الديار:

13 - توالي من غالت شعوب فأصبحت= كلولهم تَبكي وتُبكي البواكيا (6)

إنها ديار حل عليها الموت فباتت تَبكي وتُبكي الآخرين، تؤدي هذه الوحدة ثلاث وظائف:

1) الإعلان عن انتهاء الاسترجاع السابق.

2) التهيؤ للدخول باسترجاع جديد له زمن غير زمن الاسترجاع الأول، من هنا كان وجود البيت الثالث عشر ضروريا للتمييز بين زمن الاسترجاع الأول وزمن الاسترجاع الثاني.

3) تؤدي وظيفة " المنظر المضاعف " في السينما إنها واحدة من تقنيات السرد السمعي في القرن العشرين، وقد استفادت منها الروائية فرجينيا وولف، باستخدام المونتاج الزمني وذلك " بوضع صور وأفكار من زمن معين على صور وأفكار من زمن آخر (7)، وقد جاراها كتاب آخرون باستخدام هذه التقنية لتقديم العنصر المزدوج في الحياة الإنسانية (8)، لقد سبق النابغة الجعدي كتّاب تيار الوعي بأكثر من ألف من السنوات إلى استعمال هذه التقنية، لقد جعل المكان (الدار) وعاء ثابتا يجمع التقاطات من أزمان مختلفة كاشفا عن ازدواجية الحياة والموت، الحياة بصخبها وحركتها متمثلة بأبيات الوحدة الثانية (6 - 12) والموت بسكونه وصمته المبكي متمثلا بالوحدة الثالثة (البيت الثالث عشر).

يدخل النص في الأبيات [14 - 20] الوحدة الرابعة محققا استرجاعا جديدا بدلالة " تذكرت "، دون تحديد لمدى المفارقة الزمنية:

14 - تذكرت ذكرى من أميمة بعدما= لقيت عناء من أميمة عانيا

15 - فلا هي ترضى دون أمرد ناشئ= ولا أستطيع أن أرد شبابيا

16 - وقد طال عهدي بالشباب وأهله= ولاقيت روعات يشبن النواصيا

17 - بدت فعل ذي ود فلما تبعتها= تولّت وأبقت حاجتي في فؤاديا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير