تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حتى كأني طعنت في القرآن، أو رميت الكعبة بخرق .. !!]

ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[22 - 04 - 2009, 06:49 ص]ـ

قال أبو حيان عند قربه من فراغ كتابه في ثلب الوزرين:

قدم إلي نجاح الخادم وكان ينظر في خزانة كتبه ثلاثين مجلدة من رسائله وقال: يقول لك مولانا: انسخ هذا فإنه قد طلب منه بخراسان. فقلت بعد ارتياءٍ: هذا طويل، ولكن لو أذن لي لخرجت منه فقراً كالغرر، وشذوراً كالدرر، تدور في المجالس كالشمامات والدستنبوبهات، لو رقي بها مجنون لأفاق، أو نفث على ذي عاهة لبرأ، لا تمل ولا تستغث، ولا تعاب ولا تسترك، فرفع ذلك إليه وأنا لا أعلم فقال: طعن في رسائلي وعابها، ورغب عن نسخها وأزرى بها، والله لينكرن مني ما عرف، وليعرفن حظه إذا انصرف، حتى كأني طعنت في القرآن، أو رميت الكعبة بخرق الحيض، أو عقرت ناقة صالح، أو سلحت في بئر زمزم، أو قلت كان النظام مأبوناً، أو مات أبو هاشم في بيت خمار، أو كان عباد معلم صبيان. وما ذنبي يا قوم إذا لم أستطع أن أنسخ ثلاثين مجلدة من هذا الذي يستحسن هذا الكلب? حتى أعذره في لومي على الامتناع، أينسخ إنسان هذا القدر وهو يرجو بعدها أن يمتعه الله ببصره? أو ينفعه ببدنه!!! ?.

وقد حكى أبو حيان عن ابن عباد حكايات وأسندها إلى من أخبره بها عنه، ثم قال:

فما ذنبي أكرمك الله إذا سألت عنه مشايخ الوقت وأعلام العصر? فوصفوه بما جمعت لك في هذا المكان، على أني قد سترت شيئاً كثيراً من مخازيه إما هرباً من الإطالة، أو صيانةً للقلم عن رسم الفواحش وبث الفضائح، وذكر ما يسمج مسموعه. ويكره التحدث به، وهذا سوى ما فاتني من حديثه فإني فارقته سنة سبعين وثلاثمائة. وما ذنبي أن ذكرت عنه ما جرعنيه من مرارة الخيبة بعد الأمل، وحملني عليه من الإخفاق بعد الطمع، مع الخدمة الطويلة والوعد المتصل والظن الحسن، حتى كأني خصصت بخساسته وحدي، أو وجب أن أعامل به دون غيري ..

ويقول الشاعر المصري صلاح عبد الصبور , وهو يتحدث عن الكتاب والعلماء والمفكرين الذين أتلفوا كتبهم في التاريخ العربي الإسلامي , إن هؤلاء فعلوا ذلك لأنهم أدركوا إخفاق سعيهم نحو المعرفة , وضلوا بثمرات قرائحهم أن تلقي أمام دهماء الفكر , تعبث بها وتتشدق بما فيها من دون فهم أو خلوص نية ..

وكان ذلك , بالفعل حال أبي عمر بن العلاء , وداود العلماني , وأبي سليمان الدارائي , وأبي سعيد السيرافي , وأبي حيان التوحيدي .. فكل واحد منهم علي طريقته الخاصة , إما أحرق كتبه , وإما دفنها في التراب , وإما ألقي بها إلي أمواج البحر ..

لكن محنة التوحيدي كانت أشد وأنكي , لا تضاهيها في قسوتها إلا محنة ابن رشد ..

الفرق الوحيد بينهما , هو أن الأول أحرق كتبه , أما الثاني فأحرقت كتبه!!!

أبو حيَّان التوحيدي (310 - 414هـ، 922 - 1023م).

وهو علي بن محمد بن العباس، من أشهر أدباء القرن الرابع الهجري ومفكريه. وصفه ياقوت الحموي بقوله: ¸فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة·. ومع ذلك فقد أهمله مؤرخو عصره وتجاهلوه. واستمر هذا التجاهل إلى أن كتب ياقوت معجمه المشهور، فخصّ التوحيدي بترجمة ضافية ضمّنها التعبير عن دهشته واستغرابه لتجاهل سابقيه لشخصية مرموقة مثل شخصية التوحيدي، واعتمد في ترجمته كثيرًا على ماذكره التوحيدي عن نفسه في مؤلفاته.

وعلى الرغم من اضطراب الآراء واختلافها حول تاريخ ميلاد التوحيدي ووفاته ولقبه وأصله، فالراجح أنه عربي الأصل، وُلِدَ سنة 310 هـ في بغداد، وتوفي سنة 414هـ في شيراز.

عاش التوحيدي حياة شاقة معذَّبة. فقد ولد في أسرة فقيرة تمتهن بيع نوع من التمر يُسمى التَّوحيد (ومن هنا جاء لقبه)، وأمضى باقي طفولته يتيمًا في كفالة عم له كان يكرهه ويسيء معاملته. تلقى التوحيدي تعليمه في بغداد على أيدي كبار العلماء والأدباء آنذاك، وأخذ نفسه بثقافة عصره الموسوعية التي استقاها من المصادر التالية:

1 - تتلمذه على أيدي كبار العلماء والأدباء. فقد درس النحو والتصوف على أبي سعيد السّيرافي، ودرس اللغة وعلم الكلام على عليّ بن عيسي الرُّمَّاني، ودرس الفلسفة على أبي زكريا يحيى بن عدي المنطقي.

2 - حرصه على حضور مجالس الأدب والعلم والفلسفة التي كانت كثيرة الانعقاد في عصره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير