تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أبيات جميلة في مواقف عصيبة]

ـ[السراج]ــــــــ[26 - 04 - 2009, 11:13 ص]ـ

[أبيات جميلة في مواقف عصيبة]

حين سُئل الأعرابي: مابالُ مراثيكم أفضل ما تقولون؟

أجاب: لأننا نقولها وأكبادنا تتقطع ..

هذه الرواية اختصار شامل لكل وجوه النقد في الشعر العربي وأكثر من دليل على بروز العاطفة في سمو الشعر وتخليله كلمات وسنى، وبرهان وحجة على تغيير مسار الجمال في الشعر بتغير مسار حالة صاحبه وأقوى ثبت واقعي على أن الشعر، من الشعور ..

وعلى مدار حقب الأدب العربي، مررنا بالعديد من قصائد أجدادنا مفعمة بجمال لا يبارى ومنال صعب لأنها – وباختصار – قيلت في رثاء عزيز.

لدي فكرة سابقة عن أن أفضل الأبيات الشعرية إنما تُنسج نسيجا متماسكا، يتخلله وشيٌ طبيعي وزخرفة من ذات الحرف والجرس الموسيقي الذي اعتراها لحظة التصاق الكلمات ببعضها بشيء من غراء العواطف التي تختلف اختلافا بينا في نوع غراءها وإن كانت من جنس واحد، ثم إن ما يزيدها جمالا شفافية الخيال الذي يجعله – الشاعر – مرآة أخرى لموضوعه. الفكرة أن هذا النسيج يأتي حين تصُعبُ المواقف وتتعقد الأمور وتتجمع المعضلات، وقلتُ هذا في قراءتي لمرثية أبي تمام لمحمد بن حميد الطوسي التي شعَت فيها الكلمات وتكثفت معاجم الحزن الحقيقي ومثلها الكثير التي انبثقت من أحلك الظروف وهذه القصائد قد لا تكون جميعها مراثي، لكنها خرجت من رحم المحنة ومن قعر التعب والمشقة فمن سجن مظلم، أو أسر مذلّ أو مرض استعصى أو حتى من رحلات النفي والطرد من الوطن الغالي، كلها محن تستثير في النفس كوامن الذكريات وتستعطف الأوصاف التي يتشبث بها الإنسان تسلية عن نفسه أو حتى محاولةً لجذبها خارج مصيبته وقد تكون - هذه القصائد – رسائل سرية أو وصايا لأهله وما هذا المقام إلا كمن يحاول لمّ الشتات – في غير المراثي - وجمع الدرر في سمط واحد.

وهنا تذكرت – أقول تذكرتُ وهناك الكثير – قليل قصائد أسوقُ جزءا منها شواهد تزيدُ في أدبنا شيئا يسيرا بتذكرها، وتوقد شُعلة المفردات في لغتنا وهي إضافة لما نحفظ أو نطّلع عليه من شعر، ونعلم جيدا أن هذا الأمر يتطلب معرفة مناسبة الأبيات التي قيلت في ذاك الوقت الصعب وما تعلّق بها من أحداث.

وقصيدة الحطيئة بعدما رماه الخليفة العادل عمر في قعر بئر مظلمة عقابا له على تسليط لسانه على الرائح والغادي في أشعاره التي تعرّض بكل شخص حتى بأمه وثم بالزبرقان بن بدر الذي شكاه إلى الخليفة هي قصة معروفة، وبعد أن تعب في سجنه وأرهقته الوحدة والظلمة وتذكر أطفاله الصغار ولا عائل لهم – وهو شاعر مجيد – رأى أن يعتصر فكره الشعري ويشحذ لسانه لينقذه من بعد أن قذف به في المهالك فقام يستعطف الخليفة بقصيدة في عمق المحنة يقول فيها:

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ=زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

غادرْتَ كاسبَهم في قعر مُظلمة=فارحم هداك مليكُ الناس يا عمرُ

أنت الإمامُ الذي من بعد صاحبه=ألقى إليك مقاليدَ النُّهى البشرُ

لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها=لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ

فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم=بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ

نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ=من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ

يتبع ..

ـ[السراج]ــــــــ[26 - 04 - 2009, 11:31 ص]ـ

إبراهيم طوقان شاعر فلسطين على فراش المرض بإحدى المستشفيات، كان داؤه (المستعصي) يعاوده من حين إلى حين وكانت الممرضات حوله، يخففن من حدة مرضه وقلقه فيستحيل الدواء المر حلوا وتتفتت كآبته أملا جميلا، وتعذُبُ الحياة من موقف عصيب، فاستطاع أن يحوّل كآبته وموقفه العصيب – المرض- إلى تفاؤل مرح من خلال أبيات تذوب سهولة وعذوبة، يقول في قصيدة أسماها هو (ملائكة الرحمة):

بيضُ الحمائم حسبُهُنَّةْ أني أُردّدُ سجعَهُنَّهْ

رمز السلامة والوداعة منذُ بدءِ الخَلْق هُنَّهْ

المحسِناتُ إلى المريضِ غدَونَ أشباهاً لَهُنَّهْ

يشفي العليل عناؤهُنَّ وعطفُهُنّ ولطفُهُنَّهْ

مُرّ الدواءِ بفيكَ حلوٌ من عذوبة نطقهِنَّهْ

ولربما انقطع الحمائمُ في الدجى عن شدوِهِنَّهْ

أما جميلُ المحسناتِ ففي النهارِ وفي الدُجُنَّهْ

ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[26 - 04 - 2009, 12:08 م]ـ

إن للعاطفة في الروح عوالم إما أن تجعل صاحبها ملك الأحاسيس .. أو تجعله على النقيض تماما .. أحسنت أخي السراج أحسن الله إليك .. فقد تعلمنا .. أن الأشياء التي تكتب من تجربة خير بكثير من الأشياء التي تصطنع من لأجل زيف ما .. كما أني أعتقد أن هذا بالإضافة إلى جمال اللغة سر بقاء شعر أجدادنا من العرب حتى الآن .. أتابع بلهفة وشغف .. فلا تبخل علينا بجديد هذا الموضوع ولا تدعه حبيس العقل.

ـ[السراج]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 06:02 ص]ـ

شكرا لمرورك المثري نور الدين

وكما قلتَ فالعاطفة هي مفتاح تغيّر الشعر، وهي سر الحكم عليه ..

وهذه القصائد - في غير الرثاء- صنعتها الأحداث الصعبة فحتما تخرج ارتجالية عفوية تزخر بألفاظ كثيفة لها ربط بالعاطفة، وبالحدث ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير