[علة أنفة الملوك من قول الشعر: تفسير جديد]
ـ[أصيل الصيف]ــــــــ[04 - 08 - 2009, 04:18 م]ـ
هذا المقال مقتبس من كتاب (الأوليات: العرب والأدب والإسلام والجاهلية والشعر) لـ (أصيل الصيف الأصولي)
مسألة: علة أنفة الملوك من قول الشعر:
-1 -
ذكر الأصفهاني: "أن حجراً كان طرد امْرَأَ القيس وآلى ألا يقيم معه أنفة من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنف من ذلك" (140).
فلم كانت الملوك تأنف من قول الشعر؟ قلت: جواب ذلك في أن نعرف أصل معنى لفظ (المَلِك) لنقارن بينه وبين أصل معنى لفظ (الشاعر) إذ يكمن الجواب في تلك المقارنة.
-2 -
جاء في اللسان: مُلُكُ الدابة بضم الميم واللام: قوائمه .... قال ابن سيده: .... ارحموا هذا الشيخ الذي ليس له مُلُكٌ ولا بَصَرٌ أي يدان ورجلان ولا بصر، وأصله من قوائم الدابة فاستعاره الشيخ لنفسه، (قال) أبو عبيد: جاءنا تقوده ملُكُه يعني قوائمه .... وقوائم كل دابة مُلُكه".
قلت: وهذا هو أصل معنى هذا اللفظ، ثم إن العرب اشتقت من الاسم "مُلُك" الفعل فقالوا: (مَلَكت الدابةُ الأرضَ) أي حفرت الدابة الأرض بملكها أي قوائمها وذلك بضربها الأرض، ثم أجازوا هذا الفعل إلى الإنسان فقالوا (مَلَكَ الرجل ُ بئراً) أي حَفَر. ثم جاز لفظ (المُلُك) إلى دلالة البئر، وماء البئر.
جاء في اللسان: لي في هذا الوادي مَلْكٌ ومِلْكٌ، ومُلْكٌ ومَلَكٌ .... هي البئر تحفرها وتنفرد بها .... (وقيل) ما له مَلْكٌ ولا نَفْر ..... ولا مِلْكٌ ولا مُلْكٌ ولا مَلَكٌ يريد بئراً وماءً أي ما له ماء .... (ويقال) مات فلان عن ملوك كثيرة .... وقال ثعلب: يقال: ليس لهم مِلْك ولا مَلْكٌ ولا مُلْكٌ إذا لم يكن لهم ماء .... وفي حديث عمر: أملكوا العجين فإنه أحد الرَّيْعين أي الزيادتين؛ أراد أن خبزه يزيد بما يحتمله من الماء لجودة العجين.
-3 -
قلت: ومن ذلك قالوا للرجل الذي (مَلَكَ بئراً) أي حفر بئراً ثم انفرد بها قيل له: (مَلِكٌ) ولما كان الماء ضرورياً للناس فقد كان الناس يتجمعون حول تلك (المُلْك) أي البئر ليستقوا منها، ثم كانوا لا يستطيعون ذلك حتى يستأذنوا ملكها أي صاحبها الذي حفرها. ومن سيطرة الرجل الملك على مُلْكِه (بئره) جاز لف المُلْكِ إلى دلالته المشهورة عندنا.
جاء في اللسان: "المُلْكُ والمِلْكُ: احتواء الشىء والقدرة على الاستبداد به" قلت: وقد اشتق العرب من هذا اللفظ بهذا المعنى ألفاظاً كثيرة، لك أن تنظرها في لسان العرب.
-4 -
ومن ثمَّ، فإذا قارنَّا بين أصل معنى لفظ الملك الذي هو: الرجل الذي ملك بئرا (حفرها) ثم انفرد بها لا يستقي منها أحدٌ إلا بإذنه، وبين دلالة الشاعر الذي هو كما ذكرنا آنفا (انظر موضوع "أصل معنى لفظ الشعر للأصولي " في غوغل)، هو الغلام الذي يقف على رأس شعر الماء أي رأس البئر ليمتح ماءها بالدلو، إننا إذا قارنَّا بين هذين الشخصين وجدنا أن الرجل الملك ينتمي إلى فئة اجتماعية عالية هي فئة السادة، بينما ينتمي الغلام الشاعر إلى فئة اجتماعية متدنية تكاد تكون إما من فئة الخدم أو من فئة العبيد.
ولما كان (الشعر) هو من ابتكار هذه الفئة البائسة فقد أنِف الملوك وهم من فئة السادة أن يقولوا مثل كلام الخدم أو العبيد.
وهذه الأنفة من الملوك لا ترجع إلى المرحلة الثانية من مراحل الشعر الجاهلي التي قدرناها بين سنتي (180 ق. هـ -134 ق. هـ)، بل ترجع الأنفة إلى المرحلة الأولى أي منذ عام (610 ق. هـ) إذاً، فالأنفة كانت أمراً متأصلاً عند فئة السادة، غير أن خبرها وصلنا مع قصة امرىء القيس ووالده اللذين عاشا في زمن المرحلة الثانية من مراحل الشعر الجاهلي، والله أعلم
أصيل الصيف الأصولي
ahmad1haza***********
الموقع الشبكي: أصيل الصيف الأصولي