صفحة من حياة شاعر فقير=الجزّار
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 06:46 م]ـ
أبو الحسين الجزار (ت679هـ):
يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي، الشيخ جمال الدين أبو الحسين الجزار الأديب المصري؛ ولد سنة ثلاث وستمائة تقريباً، وتوفي ثامن عشر شوال سنة تسع وسبعين وستمائة بالفالج، وكان بديع المعاني جيد التورية عذب التركيب فصيح الألفاظ حلو النادرة، صاحب مجون وزوايد، يمدح الملوك والكبار، وكان يتزيّا بزي الكتّاب، عاش مرتزقا بالشعر، وما هُجي أحد من شعراء زمانه ما هُجي هو، ولا ثُلب كما ثلب، وكان يسمى "تعاشير".
ومما هجي به رحمه الله تعالى:
ماذا أقول في فتى =نَشْءِ التيوس والبقرْ
فِعاله ذميمةٌ =وبيته بيت (الزفر)
وكان قليل الهجاء، متحمّلاً متودّداً إلى الناس، حسن التعريض، واحتاج في آخر عمره إلى الاستجداء بغير شعر. وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تستد أبدا ولا يغفل طلبه ولكن بأحسن الصور، وكان مسرفا على نفسه.
وله كتاب "فوائد الموائد" وعمل بعض الفضلاء عليه "علائم الولائم". وجمع قطعة من شعره سماها "تقاطيف الجزار" وهذه تسمية حسنة.
ولم يكن في عصره من يقاربه في جودة النظم غير السراج الوراق، وهو كان فارس تلك الحلبة ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا. وبينه وبين شعراء عصره مجاراة ومباراة.
يقول في هذه الصفحة من حياته:
قطعتُ شبيبتي وأضعتُ عمري=وقد أتعبتُ في الهذَيان فكري
وما لي أجرةٌ فيه ولا لي=إذا ما تبتُ يوماً بعض أجرِ
قرأت النحوَ تبياناً وفهماً=إلى أن كعْتُ منه وضاق صدري
فما استنبطتُ منه سوى محالٍ=يُحال به على (زيد وعمرو)
فكان النصبُ فيه علي نصباً=وكان الرفعُ فيه لغير قدري
وكان الخفضُ فيه جلَّ حظي=وكان الجزمُ فيه لقطع ذكري
وفي علمِ العروض دخلتُ جهلاً=وعمْتُ لخفّتي في كل بحر
فأذكَرَني به التفصيلُ بيتاً=تضمَّنَ نصفَهُ الشيخُ المعرّي
مفاعلتن مفاعلتن فعولن="حديثُ خرافةٍ يا أمَّ عمْرِو"
وكم يومٍ ببَيْعِ اللحم عندي=يُعدُّ من البَوار بألف شهر
ولما أن غدا لا بيعَ فيه=مع الميزان أشبَهَ يومَ حشر
ودكاني جهنّمُ إذْ زبوني=زبانيةٌ بهم تعذيب سرّي
وفيها (زَفرة) من غير لحم=وقد وُضعتْ سلاسلها بنحري
وقد طال العذابُ عليَّ فيها=لما قدّمْتُ من نحسٍ ووزر
فإن لامَ العذولُ أقول دعني=أنا في ضيعةٍ في وسْطِ عمري
ومنها في المديح:
وإن الشعر دون علاه قدراً=ولا سيما إذا ما كان شعري
كلاماً ما قرأت له صحاحاً=ولا نحْواً على الشيخ ابن برّي
وعيشك لست أدري ما طحاها=وقد أقررتُ أني لست أدري
وذا خبري ولو كشَّفْت عني=لصغَّره بعظم الجهل خُبْري
كأني مثل بعض الناس لما=تعلم آيتين فصار يُقري
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 06:56 م]ـ
جزار لا يعرف رائحة اللحم:
ما زلتُ في الدنيا من الهَمِّ=طول زماني وافرَ القَسْمِ
فالحمد لله الذي حكْمُهُ=قد خرَّ في أفْقِ السَّما نجمي
أصبحتُ (لحّاماً) وفي البيت لا=أعرفُ ما رائحة اللحم
جهلته فقْراً فكنت الذي= {أضلَّه اللهُ على علْمِ}
كالكلب في قذارته!!:
حسبي حرافا بحرفتي حسبي=أصبحتُ فيها معذّبَ القلبِ
موسَّخَ الثوب والصحيفة من=طول اكتسابي ذنبا بلا ذنب
خَلا فؤادي ولي فَمٌ وسِخٌ=كأنني في جزارتي كلبي!!
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 07:52 م]ـ
الحق أنه شاعر
ولكن ربما كبا به زمانه وقدره فقذفه في زمن المماليك وحكام العلوج الذين لا يفرقون بين الشعر وصياح الباعة
أجمل ما في شعره التعريض واستخدام مصطلحات ومفاتيح العلوم
أشكرك أستاذي الكريم
ـ[عامر مشيش]ــــــــ[14 - 04 - 2009, 09:12 م]ـ
العجيب أنه قليل الهجاء مع أنه ماهجي أحد ما هجي هو كما ذكرت أستاذي الكريم بل هجا نفسه وكف عن الناس مع أن من كان في مثل حاله مع يقابل به من الناس يكون سيء المعشر لكنه كما قال بحر الرمل.
شكرا أستاذي الكريم.
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[15 - 04 - 2009, 05:23 م]ـ
خلعة من الشمس!!
وطيلسان من الهواء!!
وقال أيضا:
لي من الشمس خلعةٌ صفراءُ=لا أبالي إذا أتاني الشتاءُ
ومن الزمهرير إن حدَثَ الغَيْـ=م ثيابي، وطيلساني الهواءُ
بيتيَ الأرضُ، والفضاء به سو=رٌ مُدارٌ، وسقف بيتي السماء
لو تراني في الشمس، والبردُ قد أنْـ=حَلَ جسمي، لقلتَ: إني هباء
فيه عظمي (المبرَّدُ) إذ عَـ=زَّ (الكسائيُّ) واحتمَى (الفَرَّاءُ)
شنَّعَ الناس أنني جاهليٌّ=مانَوِيٌّ، وما لهم أهواء
أخذوني بظاهري إذ رأوني=عبد شمس تسوؤني الظلماء
آهِ واحسرتي لقد ذهبَ العُم=رُ وحظي تأسُّفٌ وعَناءُ
كلما قلتُ في غدٍ أدرِكُ السؤ=لَ أتاني غَدٌ بما لا أشاءُ
لستُ ممن يَخُصُّ يوما بشكوا=هُ لأن الأيام عندي سواءُ
أيهذا الرئيسُ دعوةَ عَبدٍ=أصبح الحُزنُ دَأبَهُ والبكاءُ
مات فَقراً وأَصلُ ذلك إذ ما=تَت من اللُّؤم أنفُسٌ أَحيَاءُ
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[16 - 04 - 2009, 01:55 م]ـ
ينفخ شدقه وسادة!!
ولم ألْقَ في بيتي دثاراً أُعِدُّهُ=لبَردٍ، ولا شيئاً يردُّ هجيرا
فأنفُخُ شِدْقي إن أردتُ وسادةً=وأفرشُ ظلّي إن أردتُ حصيرا
بغلته قبقابه!!
لئن قطَعَ الغيثُ الطريقَ فبغلتي=وحاشاك قبقابي، وجُوختيَ الدارُ
وإن قيل لي لا تخْشَ فهي عبورةٌ=خشيتُ على علمي بأنيَ جزّارُ
مسلوق القلقاس!!
وغدائي المسلوقُ في كل يومٍ=لا مِنَ اللحم بل من القلقاسِ
لا مرحباً برسول الشتاء!!
وكم وكم قد دقَّ أبوابَهُ=عليه في الليل نسيمُ الصَّبا
فقال: من؟ قال: رسولُ الشتا=فقال: لا أهلاً ولا مرحبا
لبس بيته وزرّر أبوابه!!
لبستُ بيتي وقد زرَّرْتُ أبوابي=عليَّ حتى غسلتُ اليوم أثوابي
وقد أزال الشتا ما كان من حمُقي=دعني فمستوقَدُ الحمّام أولى بي
ينام مستدفئاَ بالزبل!!
أو فوق قدر الهريس!!
أنامُ في الزبْلِ كي يَدْفَا به جسَدي=ما بين جمرٍ به ما بين أصحابي
أو فوقَ قدْرِ هريسٍ بتُّ أحرسها=مع الكلاب على دكان غلاّب
وما تراقصَتِ الأعضاء في جسدي=إلاّ وقد صفَقَتْ بالبرد أنيابي
¥