تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[درهم من تراب ..]

ـ[علي جاسم]ــــــــ[11 - 05 - 2009, 10:50 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أحبتي في الله منتدى الفصيح الأكارم ..

هي طريقة أشار إليها السيد قطب في كتابه الجميل النقد الأدبي أصوله ومناهجه بمعرض الحديث عن السيرة ..

واشتهر بها صاحب وحي القلم مصطفى صادق الرافعي ..

ومفادها أن يتناول الكاتب الأديب قصة من قصص التاريخ , ثم يمزجها بشعوره وحسه , يعيشها كأنها تجري عليه , وكأنها واقعة يحياها لا كلمات يقرأها , ثم ينقلها بعد ذلك وقد أعمل فيها أسلوبه وطريقته , فيدير الكلام على نحو ما , ويصرف القول بطريقة ما , فياتيك آخر الأمر بالقصة وقد ألبسها ثوبا قشيبا جميلا والقصة هي هي لم يتغير منها شيء ..

وأعتقد أنها طريقة جميلة لإحياء التراث الإسلامي خصوصا القصصي منه , إذ يجد الكاتب فيها مجال القول ذا سعة ..

وهذه محاولة متواضعة أقدمها في هذا الفن , لم تبلغ بعد مستوى النضج والتمام , لكنها على أقل تقدير محاولة , أجعلها أول خطوة , وأدعو الله أن يوفقني لخطى أبعد في هذا الفن من الكتابة ..

على أني أحمل كل من يقرأها أمانة النصح , إذا وجد عيبا وهو لا بد واجد , أو وجد خللا وهو لا مناص واجد , وبالجملة إذا وجد ما يستوجب التعديل وهو لا شك واجد .. والمسلم مرآة المسلم ..

نادى أبو مسلم الخولاني "هل عندك من زاد يا أم مسلم فقد بلغ الجوع مني مبلغا "؟؟!

فقالت وبدا صوتها واهنا كأنه هو الآخر يتضور من الجوع "ما في البيت كسرة خبز يا أبا مسلم!!

فقال "الحمد لله على كل حال .. ونظر لزوجه فإذا هي شاحبة الوجه , طاوية البطن , متيبسة الجلد , تعرف في وجهها طول العهد بالجوع , غير أنها مما بقلبها من إيمان كأن لها من الله طاعم يطعمها ويسقيها , فتراها من خفة الروح وفورة الإيمان نشيطة نشاطا لا تعرفه إلا في ربائب النعيم والرخاء ..

فرقّ أبو مسلم لها .. وقال ما عندك من مال يا أم مسلم؟؟ ..

قالت درهم .. كنت غزلت غزلا وبعته .. فخذه -يسر الله لك- وأتنا بشيء من دقيق نخبزه فنمسك به الرمق , ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ..

فقال هاته وناوليني الجراب .. ومضى إلى السوق , وكان قد دخل بيته بألم الجوع في معدته فخرج وقد زاد عليه ألم في نفسه على زوجه المسكينة الصابرة ..

مضى أبو مسلم في طريق السوق جسدا يمشي فوق أديم الأرض , أما القلب فهائم في الملأ الأعلى , لا يعلم مستقره إلا الذي يعلم السر وأخفى , وذلك دأب العباد الصالحين والاولياء العارفين , يمشي أحدهم في الناس ولا يعلم إلا الله أي سماء عرج بفؤاده , ولا عجب إذ كان شعارهم في ذلك "الناس حجابك عن نفسك ونفسك حجابك عن ربك فإذا أردت الله فاخلع نفسك وأقبل عليه" ..

ودخل أبو مسلم السوق وظنه -من انشغال قلبه بالله- أنه مشى بطريق خال إلا منه والطريق لم يزل وجه النهار مزدحما بالسابلة ..

وما كاد أبو مسلم يقف عند الحانوت حتى تمسك بأهداب ثوبه سائل يستصرخه "تصدق علي يا أخي إن الله يجزي المتصدقين" ..

نظر أبو مسلم فإذا شيخ أعقف أشعث أغبر, عليه أسمال عتيقة بالية , طال بها العهد حتى اغبر لونها , فرق له أبو مسلم وهم أن يعطيه الدرهم لولا أنه تذكر زوجه , وأحس تلك اللحظة كأن الدرهم يناجيه ..

" الله الله يا أبا مسلم .. لا تزهد بي فليس المقام مقام زهد ..

يا أبا مسلم حملتني إلى السوق والحق أنا من حملك!! أتراك تخرج من بيتك لو لم أكن في جيبك؟؟! ..

يا أبا مسلم قلب النظر حولك .. أتحسب أنك في المسجد؟؟ بل هو السوق والسوق حيث غنى الجيوب لا غنى القلوب , ولو جئتهم وفي قلبك غنى يملأ ما بين السماء والأرض ما نفعك بشيء حتى تأتي وفي يدك الدرهم ..

وأنا الساعة في يدك درهم , فإن وضعتني حيث ينبغي , كنت بعد قليل شبعا في بطنك وراحة في نفسك ورضى عند أهلك ..

وإن دفعتني لهذا السائل , فليس بنافعك أنك أبو مسلم , ورجعت لبيتك بألم الجوع كما جئت , وزدت عليه ظلم الزوجة بأقل ما تستحقه منك" ..

فمال أبو مسلم للسائل وقال "هيأ الله لك الرزق يا أخي" .. ومضى لشأنه .. فما وقف عند حانوت آخر حتى أدركه السائل يستجديه "يا أخي مسني وأهلي الضر فلا تردني خائبا " ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير