الآداب العربيّة في أوربَّة في بدء القرن التاسع عشر
ـ[نُورُ الدِّين ِ مَحْمُود]ــــــــ[30 - 04 - 2009, 03:28 ص]ـ
الآداب العربيّة في أوربَّة في بدء القرن التاسع عشر
هلمَّ بنا نوجه الآن الأنظار إلى أحوال الآداب العربية بين الأوربيين في مفتتح القرن التاسع عشر ليظهر للقراء كيف تمَّت بعد ذلك تلك النهضة العجيبة التي جعلت الدروس العربيّة في مقام ممتاز كما نراها اليوم في حواضر أوربية وأميركة
ليس درس اللغات الشرقية عموماً والعربيّة خصوصاً أمراً مستحدثاً بين علماء أوربة كما يزعم البعض بل ابتدأت الأفكار تتوجّه إلى إحراز معانيها والتقاط لأليها منذ الفتوحات الإسلامية التي قرّبت أمم الشرق من تخوم البلاد الغربية ولو تتبعنا الآثار المنبئة ببيان هذه القضية لتعددَّت لدينا الشواهد لا سيمّا في جهات الأندلس وبعض جهات الروم.
لكنّ تلك الحركة زادت قوة وانتشاراً في القرن الثاني عشر لِما جرى في ذلك العهد من الأمور الجليلة والأحداث الخطيرة التي كادت تمزج طرفي الشرق والغرب مزج ما بالراح.
والكنيسة الكاثوليكية كانت أعظم ساعية في إدراك هذه الغاية. فممّن اشتهروا إذا ذلك
في الدروس الشرقية واعتنوا بنقل الآثار العربيّة إلى اللاتينية أو بنوا أبحاثهم على أحوال الشرقيين رئيسُ دير كاوني بطرس المكرّم (1092 - 1156م) وكان رحل إلى الأندلس ورقب شؤون العرب فيها فأعجب بآدابهم فلمّا عاد إلى ديرهِ عُني بانتقاد كتبهم.
وفي عهده عرفجيرّ رَد دي كريمونا (1114 - 1187) وكان مولعاً بنقل تأليف العرب في فنون الحكمة وكان أتقن درس العربيّة فترجمه إلى اللاتينية نحو ستين مصنفاً جليلاً لمشاهير الكتبة كالرازي وابن سينا في الرياضيّات والهيئة والطبّ طُبع منها قسمٌ صالح وفقد منها الكثير.
ولما أنشأت في ذلك القرن رهبانيّتا القديسين دومنيك وفرنسيس الأسيزي صرف من
أبنائهما عددٌ يُذكر عنايتَهم إلى درس العلوم الشرقية. فأنّ الدومنيكي النابغة البرتوس الكبير (1193 - 1280) لَما كان يفسر كتب الفيلسوف أرسطاطاليس في كلية باريس كان يستند في شروحه إلى ترجمة منقولة عن العربيّة ويستعين في تحصيل معانيها بما كتبه في ذلك الفارابي والغزّالي.
وجاراهُ في حبّهِ لآثار الشرق أحد اخوتهِ في الرهبانيّة الفرنسيسية الأسباني ريمند لول (1235 - 1315) وكان من أكبر أنصار اللغات السامية في كليَّة أورَّبة.
وأهتمّ رؤَساء الدومنيكان منذ السنة 1255 بإنشاء مدرسة منظَّمة يعلمون فيها
العبرانية والعربية والسريانيَّة في باريس وبلاد الكتَلان. أما الرهبان الفرنسيسيُّون فلم يكونوا أقلّ غيرةً في تخصيصٍ بعض طلبتهم بدرس العربية.
أشتهر بينهم ميشال سكوت الذي انكبَّ في طليطلة على إتقان اللغة العربيّة سنة 1217 ونقل عدداً وافراً من تأليفها.
واشهرُ منهُ الراهب الإنكليزي روجار باكون (1214 - 1292) فريد عصرهِ ونسيج وحدهِ في العلوم الفلسفيّة فإنه سعى ما أمكنه بنشر الدروس الشرقية وعلى الأخصّ العربية. أمَّا الأحبار الرومانيون فسبقوا كل ملوك أوربَّة في تنشيط درس اللغات الساميَّة التي منها العربيَّة. وممَّا يُذكر فيشكر أنَّ البابا هونوريوس الرابع كان تقدمَّ بفتح مدرسة اللغة العربيَّة في باريس في العشر الأول من القرن الرابع عشر. ولمَّا عُقد في فينة من أعمال فرنسة المجمع المسكونّي سنة 1311 كان أحد قوانين الآباء أن تنشأ للغات مدارس العبرانيَّة والعربيَّة والكلدانيَّة في رومية على نفقة الحبر الأعظم وفي باريس على نفقة ملك فرنسة وفي بولونية وأكسفورد وسَلَمَكَة على حساب الرهبان والأكليروس.
وممَّا يدلُّ على أنَّ هذه اللغات كانت تُعلَّم في كليَّة باريس براءةٌ للبابا يوحنَّا الثاني والعشرين تاريخها 1325 يحتم فيها على قاصدهِ هناك بأن يراقب تدريس العربيَّة
ولمَّا أكتُشف فنّ الطباعة في أواسط القرن الخامس عشر كان كبير الأحبار يوليوس الثاني أوَّل من سبق إلى طبع كتاب عربيّ (اطلب المشرق 3 (1900): 80) ووليَهُ أغوسطينوس جوستنياني أسقف نابيو من أعمال كورسكا الذي طبع كتاب الزبور في أربعة لغات منها العربيَّة سنة 1516.
وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر فتحت الرهبانية اليسوعية مدرسة للعبرانية وللعربية في رومية علَّم فيها الأب حنَّا اليانو الشهير وأنشأ
¥