تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[رثاء النفس في الشعر الجاهلي]

ـ[أديب طيء]ــــــــ[14 - 06 - 2009, 10:44 م]ـ

رثاء النفس هو البكاء والحزن عليها عندما يتيقن الراثي (المرثي) بدنو أجله, وانقطاع أمله.

وهو -عندي- من أفضل ألوان الرثاء-إن لم يكن أفضلها- على الإطلاق, وذلك لما يبرز في شعره من صور بلاغية, وقِيمٍ

جمالية, وعاطفة حزينة, وشعور صادق, فالراثي هنا هو المرثي وأي شيءٍ يكون أحبُّ من النفس؟!! ولذلك نجد أنَّ قصائد هذا النوع أو اللون من الرثاء قد سارت بها الرُّكْبَان, وأنشدها الأدباء على مرِّ العصور والأزمان, فصارت وشاحًا وعقدًا تُزيِّنُ به كثيرًا من كتب الأدب القديمة منها والحديثة, ولعلنا نذكر منها نماذج في هذا العصر (العصر الجاهلي) لنُطلع القارىء عليها ونُروي بعض ظمأه,

•ابن حذَّاق يرثي نفسه:-

قال ابن قتيبة: بلغني أنَّ أول مَنْ بكى على نفسه وذكر الموت في شعره: يزيد بن حذَّاق فقال:- (1)

هَلْ لِلْفَتَى مِن بَناتِ الدَّهْرِ مِن رَاقِي=أمْ هَل لهُ مِن حِمام الموتِ مِن وَاقِي (2)

قدْ رجَّلونِي ومَا بالشَّعر مِن شَعَثٍ=وألْبَسُونِي ثِيابًا غيرُ أخْلاقِ

وطيَّبُوني وقَالوا أيُّما رَجُلٍ=وأدْرَجُونِي كَأني طَيُّ مِخْرَاقِ (3)

وأرْسَلُوا فِتيةً مِن خَيْرِهم حَسَبًا=ليُسنِدوا في ضَرِيحِ القَبْر أطْبَاقِي (4)

وقسَّمُوا المَال وارفضَّت عوائدُهُم= وقَال قَائِلُهُم مَات ابْنُ حَذَّاقِ

هوِّنْ عَليكَ ولا تُولع بإشفاقٍ= فإِنَّما مَالُنا لِلْوَارثِ البَاقِي


•امرؤ القيس يرثي نفسه:-

عندما عاد امرؤ القيس من بلاد الروم منصرفًا عن قيصر ملك الروم, بعدما أعطاه حُلَّةً مسمومة , فلَّما وصل إلى أنقره لبسها فتقطع جلده وهلك, وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قال: (5)

لَقدْ دَمَعتْ عَيْنَايَ فِي القَرِّ والقَيْظِ=وهلْ تدمعُ العَينانِ إِلاَّ مِن الْغيظِ
فلَّمَا رَأيتُ الشَّرَ ليسَ بِبَارِحٍ=دَعَوتُ لِنَفْسِي عِندَ ذَلكَ بِالْفيظِ

وقال أيضًا قبل ذلك حينما رأى قبر امرأةٍ في سفح جبل عسيب الذي مات عنده: (6)

أجَارتنَا إنَّ الخُطُوبَ تنوبُ=وإني مُقيمٌ ما أقامَ عسيبُ
أجَارتنَا إنَّا غريبانِ هَهُنَا= وكلُّ غريبٍ للغريبِ نسيبُ
فإن تصِلِينا فالقرابة بيننا=وإن تصرمينا فالغريبُ غريبُ
أجَارتنَا ما فاتَ ليسَ يَؤُوبُ=ومَاهو آتٍ في الزَّمانِ قَريبُ
وليس غريبًا مَنْ تناءت دِيارُهُ=ولكنْ مَنْ وَارَى التُّراب غريبُ

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير