تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أصل معنى لفظ "الجاهلية" [430ق. هـ - 8هـ]]

ـ[أصيل الصيف]ــــــــ[19 - 08 - 2009, 03:20 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا المقال مقتبس من كتاب (الأوليات: العرب والأدب والإسلام والجاهلية و الشعر) لـ (أصيل الصيف الأصولي)

أ. أصل معنى لفظ "الجاهلية" [430ق. هـ - 8هـ]

{لا يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية}

أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

جاء في اللسان: "المِجْهَل والمِجْهَلَة، والجَيْهَل والجَيْهلة: الخشبة التي يُحَرَّك بها الجَمْر والتنور، وصفاة جيهل: عظيمة".

قلت: اسما الآلة: الجَيْهل والجَيْهلة اسمان سماعيان أما أسما الآلة (المِجْهَل والمِجْهلة) فهما اسمان قياسان، والاسم السماعي أقدم من الاسم القياسي؛ لأن الاسم القياسي يشتق من الفعل، والفعل يشتق من المصدر الثلاثي أو الإسم السماعي، ومن ثمَّ فالاسم القياسي (مِجْهَل) مشتق من الفعل (جَهِل)، والفعل (جَهِل) مشتق من الإسم السماعي (جَيْهل)، ومثله اشتقاق الفعل (أورقَ) من الاسم (ورق).

قلت: والجَيْهل والجَيْهلة: وهي الخشبة التي يحرك بها الجمر والتنور هي أصل هذه المادة اللغوية، والراجح أن شكل هذه الخشبة كان يأخذ صورة المثلث إذ يعْرض طرفها الذي يحرَّك به التنور، ويدقُّ طرفها الآخر الذي هو مقبضها؛ فمن ذلك وصفتِ الصفاة (الصخرة) العظيمة بالجَيْهل؛ ذلك أن المراد من عظم الصخرة هو علوها، والصخرة إذا علت دقّ أعلاها واتسع أسفلها؛ فمن ذلك أشبهت الصخرة العظيمة الجيهل.

-2 -

قلت: ثم اشتقت العرب من الجَيْهَل: وهي الخشبة التي يحرك بها جمر التنور اشتقوا الفعل فقالوا: (جَهِل التنور) أي تحرَّك جمره فهبت لفحاته الحارة، ثم نعتوا التنور بصفة مشتقة من الفعل (جهل)، فقالوا: (تنورٌ جاهلٌ) أي مجّمِرٌ قد ثار جمره فهو يلفح وجه القاعد دونه، ثم غلبت الصفة على الموصوف فقيل: (أوقدت الجاهلَ) أي (أوقدتُ التنورَ).

ثم شبهوا الغاضب الطائش بالتنور، فقالوا (جهل فلانُ) أي هبت لفحاته الحارة لما في كلامه من سوء، ثم نعتوه فقالوا (فلان جاهلٌ) أي ثائرٌ جمرهُ فهو يلفح وجه الذي أمامه بالكلام السيِّيء فمن هذا صار الجهل نقيض الحِلْم.

ثم وصفوا كل من يجادل بغير علم بالجاهل؛ لأنه في جداله بغير علم تراه يلفح وجه مناظره بالكلام القبيح الخاطىء بغير وجه حق، فمن هذا صار الجهل نقيض العلم.

-3 -

جاء في اللسان في تعريف الجاهلية: "هي الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك".

قلت: إن أكثر ما حيَّرني في أمر هذا المصطلح هو صيغته الصرفية المبنية على صيغة المصدر الصناعي مع وجود المصدر الصريح وهو (الجَهْل والجَهالة). ثم إن هذا المصدر منفرد بهذه الصيغة الصرفية عن أقرانه من المصطلحات التي جاءت كلها على صيغة المصدر الصريح، فالإسلام والإيمان والإحسان والشرك والكفر والنفاق كلها مصادر صريحة، إلا الجاهلية فهي مصدر صناعي، فلمَ كان هذا؟

قلت: نعلم في النحو أن المصدر الصناعي هو في حقيقته اسم منسوب، والاسم إنما ينسب إليه ليوصف به فيقال (هذه أخلاق إنسانية)، فالإنسانية هنا اسم منسوب يراد به الصفة. فإذا حذف الموصوف وقامت الصفة بنفسها، فقيل: (الإنسانية: هي التخلق بأخلاق الإنسان السَّويِّ) صار لفظ (الإنسانية) هنا مصدراً صناعياً.

-4 -

وكذلك (الجاهلية) فهي في أصلها اسم منسوب إلى (الجاهل) وليس (الجاهل) هنا هو اسم الفاعل من الفعل (جهل) الذي هو نقيض عَلِمَ أو حَلِمَ. بل الأصل في مصطلح الجاهلية أنه اسم منسوب إلى (الجاهل) الذي هو (التنور). إذ وُصفت النفس به، فقيل: نفس جاهلية، ونفوس جاهلية أي نفس تنورية، ونفوس تنورية، وهي النفس المنفعلة الغاضبة العنيفة، وهي كقولنا: (نفس نارية).

ثم حذف الموصوف وهو (النفس) وقامت الصفة بنفسها وهي (الجاهلية) جاء في الحديث "إنك أمرؤ فيك جاهلية" قلت: وأصل الكلام هو قولنا: (إنك امرؤ فيك نفس جاهلية) أي نفس تنورية أي نارية فهي نفس تلفح من أمامها بالكلام غير الحسن ثم تُوُسِّع في مصطلح الجاهلية، فصار اسم علم على تلك المدة التي كانت قبل الإسلام إذ كانت النفوس فيها نفوساً جاهليةً أي تنورية ونارية، ولكن لمَ؟ قلت: جواب هذا في المسألة التالية إن شاء الله.

المسألة الأولى: سبب صيرورة النفوس نفوساً جاهليةً أي تنورية:

قلت: لقد بدأت نفوس العرب تجهل كالجاهل أي يثور جمرها كما يثور التنور، إذا حرّك بخشبة الجيهل على أثر دخول الشرك إلى العبادة، ذلك أن الشرك أضعف وازع الديانة الحقة من النفوس، فلقد كان رادع الدين الذي يستشعره الإنسان يمنعه من الإساءة، فلما دخل الشرك على الناس ضعف وازع الرقابة كما ذكرنا، ذلك أن دين الله تعالى الذي كان عليه إبراهيم واسماعيل عليهما السلام وذريتهما يعلِّم أتباعه أن الله تعالى يعلم ما يعملون حيثما كانوا، فهم لذلك في رقابة لأنفسهم دائماً.

فلما دخلت عبادة الأصنام صارت الرقابة محصورة حيث هم مجتمعون عند أصنامهم، فإذا خرجوا من عندها تحللوا من الرقابة فمن ذلك تمرَّدوا وعنفت نفوسهم حتى صارت من حرّها تشبه التنور الجاهل (المجَمَّر) فلذلك نُسبتْ إليه فقيل لها: نفوس جاهلية أي تنورية ونارية.

إذاً، فسبب جاهلية النفوس هو دخول الشرك بالله فمتى بدأ ذلك ومن الذي أدخله وأين كان أول أمره؟ جواب هذا في المسألة التالية إن شاء الله.

المسألة الثانية: ذكر بداية عصر الجاهلية ونهايته ثم العصر الذي كان قبله.

سنذكرها في مقال قادم إن شاء الله.

ahmad1haza***********

الموقع الشبكي: أصيل الصيف الأصولي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير