إِنَّ أَمامَ البحرِ مِنْ إخوانِكُمْ ... خَلْقًا لَهُمْ تَلَفُّتٌ إِلَيْكُمُ
وَنَحْوَكُمْ عُيُونُهُمْ ناظِرَةٌ ... لا تَطْعَمُ النَّوْمَ وكيفَ تَطْعَمُ
والرُّومُ قد هَمَّتْ بِهِمْ وما لَهُمْ ... سِواكُمُ رِدْءٌ فأَيْنَ الهِمَمُ
كُلُّهُمْ يَنْظُرُ في أطفالِهِ ... وَدَمْعُهُ مِنَ الحِذَارِ يَسْجُمُ
أينَ المفرُّ لا مفَرَّ إنَّما ... هُوَ الْغِيَاثُ أَوْ إِسَارٌ أَوْ دَمُ (2).
لقد تحوّل من الحديث عن الدِّين وعن الأندلس إلى المتلقّي نفسه، إذ هو محور الحديث، وبيده مفتاح النجاة لأطفال الأندلس، وإن لم يفعل، فَهُم بين أسْرٍ وقَتْلٍ، فليختر المتلقّي أيّ الأمور الثلاثة أفضل.
والظاهر أنّ براعة مالك بن المرحل في معالجة الموضوع وطريقة تسرّبه إلى دواخل المتلقّي قد أتى أكله، إذ إنّ القصيدة حين قرئت "بصحن جامع القرويين من فاس يوم الجمعة بعد الصلاة بكى الناس عند سماعها وانتدب كثير منهم للجهاد". (3).
ميميته في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتتكون من ستة عشر بيتا كما أوردها بن الخطيب في الإحاطة:
شوقٌ كمَا رُفعَت نارٌ على علمِ ... تشِبُّ بين ضُلوع الضَّال والسَّلمِ
ألُفُّه بضلوعي وهْوَ يُحرقِهَا ... حتَّى برانِيَ برياً ليسَ بالقلمِ
منْ يشترينيَ بالبُشرَى ويملكُني ... عبداً إذا نظرتْ عيني إلى الحَرمِ
دعْ للحبِيبِ ذمَامِي واحتملْ رمقِي ... فليْسَ ذا قدْم من ليْس ذا قِدمِ
يا أهل طِيبَة طاب العيش عندكمُ ... جاورتمُ خيْرَ مبعوثٍ إلَى الأممِ
عَاينتم جنَّة الفِردَوسِ عنْ كثبٍ ... في مهْبطِ الوحي والآيَات والحكمِ
لَنَتْرُكَنَّ لهَا الأوطانَ خاليةً ... ونسلكنَّ لَها البيْداءَ في الظُّلمِ
رِكابُنا تَحملُ الأوزار مثقلةً ... إلَى محطِّ خطايَا العُرْب والعَجَم
ذُنوبنا يا رسولَ الله قد كثرتْ ... وقد أتينَاكَ فاستغفرْ لمُجترمِ
ذنبٍ يلِيه علَى تَكْرارِه ندمٌ ... فقَدْ مضَى العُمر فِي ذنبٍ وفي ندمِ
نَبْكي فَتشغِلنَا الدُّنيا فتضحكُنَا ... ولَوْ صَدقْنا البُكَا شِبْنا دماً بدمِ
يا ركبَ مصرَ رويداً يلتحِقْ بكُمُ ... قومٌ مَغاربةٌ لحمٌ علَى وضمِ
فِيهمْ عبَيْدٌ تسُوقُ العِيسُ زفرتهُ ... لمْ يلقَ مولاه قد نادَاه في النَّسَمِ
يبغِي إليهِ شفيعاً لا نظيرَ لهُ ... في الفَضْلِ والمَجْدِ والْعلْياءِ والْكرمِ
ذَاكَ الحبيبُ الَّذي تُرجَى شفاعتهُ ... مُحمَّدٌ خيْرُ خلقِ الله كلهِّمِ
صَلَّى عليْهِ إلَهُ الخَلقِ ما طلَعتْ ... شمسٌ ومَا رُفِعَتْ نارٌ عَلَى عَلمِ
ونختم أحبتي بقوله ونحن ننادي معه:
شهدَ الإلَهُ وأنتِ يا أرضُ اشْهدِي ... أنَّا أجَبْنا صرخةَ المُسْتنْجدِ
لَمَّا دعَا الدَّاعِي وردَّدَّ مُعلناً ... قُمْنا لنُصْرتِه ولمْ نتَرَدَّدِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذخيرة السنية، 98 - 99، وراجع النبوغ المغربي في الأدب العربي، للأستاذ عبد الله كنون، دار الكتاب العربي اللبناني، بيروت، ط3، 1975م، 647.
(2) المصدر نفسه، 100.
(3) المصادر نفسه، 98.
ـ[نحوي صغير]ــــــــ[01 - 05 - 2009, 08:05 م]ـ
شكراً
على الموضوع الشيق شاعر رائع .. وجهود جباره
نحوي صغير
نترقب المزيد من ابداعك
ـ[قصة وفاء]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 05:53 ص]ـ
عفووا
شاكره لك مروورك
ـ[السراج]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 06:34 ص]ـ
شكرا لك (قصة وفاء)
يبدو من ناريخ ميلاد الشاعر ومكانه أنه في أواخر عزّ الأندلس ..
والشاعر - كما أسلفت - تبدو قصائده تنحى منحى استنهاضياً لما حلّ بالدولة الإسلامية هناك في أواخرها ..
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[02 - 05 - 2009, 06:38 ص]ـ
شكرا لك أيتها الأخت الفاضلة الكريمة ..
وللعلم؛ فإن شعره مطبوع مشهور؛ كذلك مع الدراسات الوافية عنه في هذين الكتابين:
مالك بن المرحل اديب العدوتين، 604 - 699 هـ.: دراسة تحليلية فى اخباره و آثاره و تحقيق نصوصه الأدبية الباقية / محمد مسعود جبران.
الناشر أبو ظبى: المجمع الثقافى، 2005م.
من شعر مالك بن المرحل الأندلسى 604 هـ - 699 هـ. / تحقيق و دراسة محمد مسعود جبران.
الناشر بيروت: دار المدار الإسلامى، 2004.
وجزاك الله خيرا
ـ[قصة وفاء]ــــــــ[08 - 05 - 2009, 08:57 ص]ـ
أخي السرآج
شآكره لك مروورك الكريم
استآذي د\ مرووووان
شكرآ لإثرآءك اللطيف
لكم فائق إحترامي