تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[السراج]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 07:33 ص]ـ

وأبو بكر بن اللبانة الشاعر الأندلسي الذي برع – كل البراعة – في صناعة ابن الرومي العباسي، برع في الوصف الشعري الخالص، ويكاد ينقلنا إلى الأماكن والمناظر التي يصورنا إياها بشيء من الخفة والهدوء، ويبتكر في رسم الأشياء كما هي معتمدا بذاك الذوق الذي يلازمه في اقتران الوجوه وتكثيف الاستعارات والبيان .. فكيف إذا كان الموقف عصيبا!!

الموقف عصيب فعلا، فالمعتمد بن عباد هاهو يُساق مع أهله وأقربائه إلى المنفى تحت ناظري شاعرنا الذي كان من أخلص المخلصين للمعتمد بعد نكبته – بل تحت أنظار أهل الأندلس قاطبة وشاعرنا هناك يصف حال بني عباد، ويصور ما أصابهم، وكيف ركبوا السفن في طريقهم إلى المنفى، وهو يسوق إلينا هذا المشهد على نحو من الصدق والدقة، حتى ليخيل إلينا أننا نرى الناس يتزاحمون على ضفة نهر الوادي الكبير ليروا السفن تبتعد عن الشاطئ بأصحابها، وسط فيض من الدموع الغزيرة وهو يبرز هنا تابعية أصوات الناس التي رافقت السفن في البحر بتصوير غاية في الجمال، اقتطعت من هذه القصيدة أبيات:

تبكي السماء بدمع رائح غادي=على البهاليل من أبناء عباد

على الجبال التي هدت قواعدها=وكانت الأرض منها تحت أوتاد

عريسه دخلتها النائبات على=أساور منهم فيها وآساد

وكعبه كانت الآمال تعمرها=فاليوم لا عاكف فيها ولا باد

نسيت إلا غداة النهر كونَهُمُ=في المنشآت كأموات بألحاد

والناس قد ملئوا العبرين واعتبروا =من لؤلؤ طافيات فوق أزباد

حُط القناع فلم تستر مخدرة=ومُزِّقت أوجه تمزيق أبراد

حان الوداع فضجت كل صارخة=وصارخ من مفداة ومن فادي

سارت سفائنهم والنوح يصحبها=كأنها إبل يحدو بها الحادي

يا ضيفُ أقفرَ بيت المكرمات فخذ=في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد

ـ[السراج]ــــــــ[30 - 04 - 2009, 06:22 م]ـ

ظلّ أسيراً سبع سنوات - وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني – في بلاد الروم، لا يؤنس وحدته وكآبة سجنه إلا الشعر العذب الذي يخرج من بؤرة المحن ومن يباب الزمن الذي عاشَهُ، كالزهرة حين تنبت منبتاً وعراً ..

أبو فراس الحمداني صاحب (الروميات) الذي تغنى الناس بقصيدته المشهورة التي قالها وهو أسير: أراك عصي الدمع .. وطارت في الأجواء مشاكلة قصائد نقيضه المتنبي. وتغنى الناس – عبر العصور – كذلك بمقطوعة حزينة بثّها الشاعر من وجده وشوقه للحياة من خلف كوّة السجن، إذ رأى حمامة في حرية الطير على شجرةِ تنوح بحزن، فقام يخاطبُها:

أقولُ وقد ناحت بقربي حمامة:=أيا جارتا هل تشعرين بحالي؟

معاذ الهوى ما ذُقْتِ طارقة النوى=ولا خطرت منك الهموم ببال

أتحمل محزون الفؤاد قوادم=على غصن نائي المسافة عال؟

أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا=تعالي أقاسمك الهموم تعالي

تعالي تري روحا لدي ضعيفة=تردد في جسم يعذّب بال

أيضحك مأسورٌ وتبكي طليقةٌ=ويسكت محزون ويندب سال؟

لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة=ولكن دمعي في الحوادث غال

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير