تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- قلتُ: " حسناً , لن أذهبَ ولكنْ أريدُ أنْ أفهمَ .. وحتَّى ذلكَ لنْ أكون راضيةً .. سأكونُ مقهورةً , كسيرةَ القلبِ .. لقدِ اتفقنا على كلِّ شيءٍ في المدرسةِ اليومَ: ماذا سنأكلُ , ماذا سنرتدي , ماذا سنصطحبُ , كم سنأخذُ من نقودٍ , أينَ سنلتقي , كيفَ سنتقاسمُ حملَ الحاجيّاتِ , وغير ذلكَ .. ننتظرُ يوم الرحلة بفارغِ الصبرِ .. "

- قالَ: " سأعوّضُكِ عنْ كلِّ شيءٍ. سنقومُ برحلةٍ أنا وأنتِ فقط! أنتِ ابنتي الوحيدةُ وكلُّ همّيَ في هذهِ الحياةِ هوَ إسعادُكِ! "

- قلتُ: " لكنّني الآنَ تعيسةٌ يا أبي! فمِنْ أينَ تأتي السعادةُ؟ لو كانتْ أمّي حيَّةً هل كانتْ ستوافقُكَ الرأيَ؟ "

- قالَ: " لا تبكي يا غاليتي! لو كانتْ أمّكِ حيَّةً لكانتْ أشدَّ معارضةً منّي! "

- قلتُ: " رحمَكِ اللهُ يا أمّي .. لمْ تكنْ لترفضَ هذا أبداً .. هذا ما أظنُّ يا أبتِ. "

- قالَ: " رحمَها اللهُ .. لم تعشْ لتراكِ تكبرين! "

- قلتُ: " عدْنا للتناقضِ , هل أنا طفلةٌ أَمْ كبيرةٌ؟ "

- قالَ: " أنتِ طفلةٌ كبيرةٌ! تعالي إلى صدريَ أضمُّكِ! تعالي! أنتِ يا ابنتي الغاليةَ في مرحلةِ الطفولةِ الثانيةِ , وتُدخلينَ قدمَكِ إلى عتبةِ الشبابِ وتمرّينَ الآنَ في تغيّراتٍ جسميّةٍ ونفسيّةٍ دقيقةٍ.

سأشرحُ لكِ ذلكَ لكنْ من دونِ أنْ تقاطعيني .. إنَّ ما يُميّزُ هذا العمرَ هو العنادُ والتمرُّدُ والشعورُ بالاستقلالِ التامِّ فيرى الطفلُ نفسَهُ قد كَبُرَ لدرجةٍ أصبحَ فيها شديدَ الاعتمادِ على ذاتهِ ويعتَزُّ كثيراً بنفسِهِ فتتولَّدُ لديه الرغبةُ العارمةُ باتّخاذِ القراراتِ من دون مشورةِ مَنْ كانَ يحرصُ فيما مضى على مشاورتِهم .. إنَّهُ بذلكَ يصارعُ ذاتَهُ عن طريقِ صراعهِ معَ الجيلِ السابقِ .. ثمَّ سرعانَ ما يكتشفُ أنَّهُ أخطأَ بحقِّ ذويهِ فيبادرُ إلى تحسينِ العلاقةِ معهمْ و رفضِ مجملِ السلبيَّاتِ التي مرَّ بها وسيطرتْ عليهِ لفترةٍ منَ الزمنِ , وهذا ما نسمّيهِ بلوغَ سنِّ الرشدِ , وعندها يعودُ الإنسانُ إلى رشدهِ فيدركُ بأنَّهُ كانَ متسرّعاً في أحكامِهِ ويتراجعُ عن أخطائِهِ التي لمْ يكنْ ليعترفَ بأنَّها أخطاءٌ. "

- قلتُ: " وكلُّ هذا يتوقَّفُ على مشاركتي في رحلةِ المدرسةِ أو عدمِ المشاركةِ؟ "

- قالَ: " إنْ كانَ هذا الأمرُ قد سبّبَ لكِ ألماً فعليكِ أنْ تعلمي أنَّني لم أتعمَّدْ ذلكَ بلْ كانَ كلُّ همّيَ أنْ أُوصلَ إليكِ بعضَ الإرشادات , وربَّما كانَ أسلوبيَ خاطئاً .. و .. و الآنَ تستطيعينَ المشاركةَ في الرحلةِ .. و لا عليكِ! لقد تأكّدتُ من حُسنِ تربيتِكِ و قوَّةِ شخصيَّتكِ. "

- قلتُ: " أعجزُ عنْ شكركَ يا أبي و أعجزُ عنْ فهمكَ. ألمْ يكنْ منَ الأجدى أنْ توجّهَ إليَّ كلَّ ما تريدُ منْ إرشاداتٍ و تعليماتٍ منْ دونِ الحاجةِ إلى قسوةٍ أو غموضٍ؟ على كلِّ حالٍ أعدُكَ أنْ أبقى على تربيتكَ الصالحةِ والحكيمةِ ولنْ ترى منّي ما يزعجُكَ أو يخيفُكَ .. أنا ابنةُ أبي .. أنا مِنْ صُنعِ أبي .. "

والآنَ يا أجملَ قمرٍ في الدنيا , تستطيعينَ المشاركةَ في رحلتِكِ , ونحنُ موافقونَ على هذا بطيبةِ خاطرٍ ولقد خصَّصَ لكِ والدُكِ مبلغاً من المالِ لتغطيةِ كافَّةِ النفقاتِ وكانَ سيخبرُكِ بهذا الأمرِ لكنَّني تمنّيتُ عليهِ أنْ يتركَ ليَ ذلكَ.

تصبحين على خيرٍ."

(أُمُّك)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير