للتشهير بهم قوميا بل لأن البنية الاجتماعية وقتذاك متكونة من هاتين القوميتين على الأعم الأغلب ولاسيما في العراق عامة والبصرة خاصة , وقد كان الجاحظ في كتابه راويا للقصة وأحيانا بطلا مشاركا في أحداثها , فهو دائما يتخذ صفة الراوي المحايد الذي ينقل عن الآخرين أحداث قصته و ثمة طبيعة اجتماعية قد أقرها الجاحظ ونلمسها نحن إلى اليوم وهي أن القبيلة أو المدينة أو الطائفة تتحمل تبعة ما يعمله فرد فيها فنرى الجاحظ يقول في كتاب البخلاء: (والعرب إذا وجدت رجلا من القبيلة قد أتى قبيحا , ألزمت ذلك القبيلة كلها , كما تمدح القبيلة بفعل جميل وإن لم يكن ذلك إلا بواحد منها) إن التمازج بين العرب والفرس في العصر العباسي قد بدا واضحا , ولربما كان هذا التمازج والتداخل القوي؛ نتيجة الانفتاح على القوميات الأخرى في العصر العباسي فمن المعروف أن الأمويين لم ينفتحوا على القوميات الأخرى كما انفتح العباسيون. استطاع كتاب البخلاء رصد هذا التمازج بين القوميتين , على كافة المستويات الأجتماعية أو الثقافية وقد تأثرت القوميتان ببعضهما البعض من جميع مفاصل الحياة ولاسيما الأمتزاج اللغوي بين اللغة العربية واللغة الفارسية لأن البخل ليس مقصورا على زمان ومكان معينين فقد جعل الجاحظ بخلاءه يتحركون على الورق فلا نملك إلا أن نضحك من هذا البخيل أو ذاك سواء أكان البخيل فارسيا أم عربيا وبطريقة أجاد الجاحظ بها أيما إجادة , قدم الجاحظ من خلال كتاب البخلاء مثلا لتفاعل الأديب مع عصره بشكل مبدع فأسس لرؤية موضوعية في تقديم صورة الآخر , دون أن تعرف الاستعلاء أو العنصرية , لذلك يمكن أن نقول: بأن الجاحظ قدم لنا صورة الفرس كما قدم لنا صورة العرب كجزء من ظاهرة البخل لهذه الفئة أو تلك التي أغنى بهم كتابه من قصصهم. وهكذا أضاء لنا الجاحظ عبر كتابه البخلاء تفاعل الأديب مع عصره ومجتمعه بشكل مبدع , وحيادي في تقديم صورة البخيل الآخر (الفارسي) دون أن يميزه عنصريا عن البخيل العربي؛ لأن البخل ليس له وطن , أو قومية؛ لذلك وضع الجاحظ ذلك نصب عينيه حين جعل بخلاءه من الفرس والعرب , وبعد ذلك يعلل تعليلا اجتماعيا بأن الناس ولاسيما العرب إذا رأت رجلا أتى قبيحا ألزمت ذلك القبيلة كلها والعكس صحيح وإن تناول الجاحظ لبخلاء الفرس في هذا الكتاب ليس للتشهير بهذه القومية , بل لأن البنية الاجتماعية وقتذاك متكونة من هذه القومية ولاسيما في مجتمع البصرة.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[24 - 08 - 2009, 10:19 ص]ـ
كلام وتحليل جميل أخي مثنى
بارك الله فيك.
ـ[عنزي]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 09:14 ص]ـ
هذه فكرة ملهمة ... فكرة البخل و معناه بين "طبيعة الصحراء العربية" و "طبيعة المدنية العربية".
و بالطبع, بغداد حاضرة العالم آنذاك و مختصر الشعوب, يا بغداد, تمسي مدينة عالمية و ليست محلية كما أنت تلمح, و الجاحظ أستند لهذا الواقع في وصف البخل و عرفتها بفكرتك كأنها "اقتصاديات". عفوا لم أقراءه و لكنني أن قرأت كتابه سأستعير بمنظورك يا الحبيب.
و هنا يا استاذ مثنى أنت تحاور سؤال قد سألته لنفسي اليوم و ما زال مستصعب الإجابة:
"هل الحياة و العيش في روما لهن معنى أكبر من باقي المحليات خارج روما؟ " --
أراك تجلب نفس الفكرة في "موضوعية و حيادية" الجاحظ كونه في عاصمة عالمية بغداد الحبيبة. و يمسي الموضوع المتداول خارج من إطار ثقافة و عرقية معيينة: و يعتمد ثم بعد الموضوع الكلمة الفلسفية "الضرورة"؟.
على كل حال فكرتي عن "المدينة" و التمدن ليست هي بجيدة, بقول الله تعالى:
"قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى? بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ" من البقرة 61.