ولولا أنْ يقالَ صبا نصيبٌ = لقلت بنفسيَ النشء الصغارُ
بروحي كلُّ مهضومٍ حشاها = إذا ظلمتْ فليسَ لها انتصارُ
إذا ما الذلُّ ضاعفن الحشايا = كفاها أن يُلاثَ لها الإزارُ
ومن مليح ذلك قول عوف بن محلم:
وصغيرةٍ علقتُها = كانتْ من الفتَنِ الكبارِ
كالبدرِ إلا أنها = تبقى على ضوءِ النهارِ
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[09 - 05 - 2008, 04:52 ص]ـ
جران العود النميري
ذكرتُ الصِّبا فانهلَّتْ العينُ تذرفُ = وراجعكَ الشَّوقُ الذي كنتَ تعرفُ
وكانَ فؤادي قد صحا ثمَّ حاجهُ = حمائمُ ورقٌ بالمدينةِ هتَّفُ
كأنَّ الهديلَ الظالعَ الرِّجلِ وسطَها = من البغي شرِّيبٌ يغرِّدُ منزفُ
يذكِّرننا أيامنا بسويقةٍ = وهضبيْ قساسٍ والتَّذكُّرُ يشعفُ
وبيضاً يُصلصلنَ الحجولَ كأنَّها = ربائبُ أبكارِ المها المتألِّفُ
فبتُّ كأنَّ العينَ أفنانُ سدْرةٍ = عليها سقيطٌ من ندى اللَّيلِ ينطفُ
أراقبُ لمحاً من سهيلٍ كأنَّهُ = إذا ما بدا من آخرِ اللَّيلِ يطرفُ
بدا لجرانِ العودِ والبحرُ دونهُ = وذو حدبٍ من سروِ حميرَ مشرفُ
ولا مثلَ وجدٍ إلاّ مثلَ يومٍ تلاحقتْ = بنا العيسُ والحادي يشلُّ ويعنفُ
لحقنَ وقد كانَ اللُّغامُ كأنَّهُ = بأيدي المهارى والخراطيمِ كرسفُ
وما لحقتنا العيسُ حتَّى تناسلتْ = بنا وتلانا الأخرُ المتخلِّفُ
وكانَ الهجانُ الأرحبيُّ كأنهُ = براكبهِ جونٌ من الجهدِ أكلفُ
وفي الحيِّ ميلاءُ الخمارِ كأنَّها = مهاةٌ بهجلٍ من أديمَ تعطَّفُ
شموسُ الصِّبا والأنسِ محطوطةُ الحشا = قتولُ الهوى لو كانتِ الدَّارُ تسعفُ
كأنَّ ثناياها العذابَ وريقها = ونشوةَ فيها خالطتْهنَّ قرْقفُ
تهيمُ جليدَ القومِ حتَّى كأنّهُ = دوٍ يئستْ منهُ العوايلُ مدنفُ
وليستْ بأدنى من صبيرٍ غمامةٌ = بنجدٍ عليها لامعٌ يتكشَّفُ
يشبِّهها الرَّائي المشبِّهُ بيضةً = غدا في النَّدى عنها الظَّليمُ الهِجنَّفُ
بوعساءَ من ذاتِ السلاسلِ يلتقي = عليها من العلقى نباتٌ مؤنَّفُ
وقالت لنا والعيسُ صغرٌ من البرى = وأخفافها بالجندلِ الصُّمِّ تقذفُ
وهنَّ جنوحٌ مصغياتٍ كأنَّما = براهنَّ من جذبِ الأزمَّةِ علَّفُ
حُمدتَ لنا حتَّى تمنَّاكَ بعضنا = وأنتَ امرؤٌ يعروكَ حمدٌ وتُعرفُ
رفيعُ العلا في كلِّ شرقٍ ومغربٍ = وقولكَ ذاكَ الآبدُ المتلقَّفُ
وفيكَ إذا لاقيتنا عجرفيَّةٌ = مراراً ولا تسْتيعُ من يتعجرفُ
تميلُ بكَ الدنيا ويغلبكَ الهوى = كما مالَ خوَّارُ النَّقا المتقصِّفُِ
ونُلقى كأنَّا مغنمٌ قد حويتهُ = وترغبُ عن جزلِ العطاءِ فتُسرفُ
فموعدكَ الشَّطُّ الذي بينَ أهلنا = وأهلك حتَّى تسمع الديك يهتف
وتكفيكَ آثاراً لنا حيثُ نلتقي = ذيولٌ نُعفِّيها بهنَّ ومطرفُ
ومسحبُ ريطٍ فوقَ ذاكَ ويُمنةٍ = يسوقُ الحصا منها حواشٍ ورفرفُ
فنصبحُ لم يُشعرْ بنا غيرَ أنَّهم = على كلِّ ظنٍّ يحلفونَ ونحلفُ
وقالت لهم أمُّ التي أدلجتْ بنا = لهنَّ على الإدلاجِ آنى وأضعفُ
ولو شهدتْنا أمُّنا ليلةَ النَّقا = وليلةَ رمحٍ أرجفتْ حين نرجفُ
فلمَّا علانا اللَّيلُ أقبلتُ خفيةً = لموعدها أعلو الأكامَ وأخلفُ
فجئتُ من الشِّقِّ الذي لم يخفنهُ = وجانبيَ الأقصى من الخوفِ أجنفُ
وأقبلنَ يمشينَ الهُوينا تهادياً = قصارَ الخطا منهنَّ رابٍ ومُزحفُ
فلمَّا التقينا قلنَ أمسى مسلَّطاً = فلا يسرفنْ ذا الزائرُ المتلطِّفُ
وقلنَ تمتَّعْ ليلةَ الله هذه = فإنَّك مرجومٌ غدا أو مسيَّفُ
وأحرزنَ منِّي كلُّ حجزةِ مئزرٍ = لهنَّ وطاحَ النَّوفليُّ المزخرفُ
فبتنا قعوداً والقلوبُ كأنَّها = قطا شُرَّع الأشراكِ مما تخوَّفُ
علينا النَّدى طوراً وطوراً يرشُّنا = رذاذٌ سرى من آخرِ اللَّيلِ أوطفُ
وبتنا كأنَّا بيَّتتْنا لطيمةٌ = من المسكِ أو خوَّارةُ الرِّيحِ قرقفُ
يُنازعننا لذَّاً رخيما كأنَّهُ = عوائرُ من قطرٍ حداهنَّ صيِّفُ
رقيقُ النَّواحي لو تسمَّعَ راهبٌ = ببُطنانَ قولاً مثلهُ ظلَّ يرجفُ
حديثاً لو أنَّ البقلَ يولى بمثلهِ = ربا البقلُ واخضرَّ العضاهُ المنصِّفُ
هو الخلدُ في الدنيا لمنْ يستطيعهُ = وقتلٌ لأصحابِ الصَّبابةِ مذعفُ
ولمَّا رأينَ الصُّبحَ بادرنَ ضوءهُ = رسيمَ قطا البطحاءِ أو هنَّ أقطفُ
فأدركنَ أعجازاً من اللَّيلِ بعدما = أقامَ الصَّلاةِ العابدُ المتحرِّفُ
وما ابنَ حتَّى قلنَ يا ليتَ أنَّنا = ترابٌ وليتَ الأرضَ بالناسِ تخسفُ
فإن ننجُ من هذي ولم يشعروا بنا = فقد كانَ بعضُ الخيرِ يدنو فيُصرفُ
فأصبحْنَ صرعى في الحجالِ وبيننا = رماحُ العدا والجانبُ المتخوَّفُ
يبلِّغهنَّ الحاجَ كلُّ مكاتبٍ = طويلُ العصا أو مُقعدٌ يتزحَّفُ
ومكنونةٌ رمداءُ لا يَحدرونها = مكاتبةٌ ترمي الكلابَ وتحذفُ
رأتْ ورقاً بيضاً فشدَّتْ حزيمها = لها فهي أمضى من سُليكٍ وألطفُ
ولن يستهيمَ الخُرَّدَ البيضَ كالدُّمى= هدانٌ وهلْباجةُ الليلِ مقرفُ
ولا جَبلٌ ترعيَّةٌ أحبنُ النَّسا = أغمُّ القفا ضخمُ الهِراوةِ أغضفُ
حليفٌ لوَطبيْ علبةٍ بقريَّةٍ = عظيمُ سوادِ الشَّخصِ والعودُ أجوفُ
ولكن رفيقٌ بالصِّبا متبطرقٌ = خفيفٌ ذفيفٌ سابغُ الذَّيلِ أهيفُ
فتى الحيِّ والأضيافِ إن نزلوا به = حذورُ الضُّحى تِلْعابةٌ متغطرفُ
يرى الليلَ في حاجاتهنَّ غنيمةً = إذا نامَ عنهنَّ الهِدانُ المزيَّفُ
يلمُّ كإلمامِ القُطاميِّ بالقطا = وأسرعُ منه خطفةً حينَ يخطفُ
وأصبحَ في حيثُ التقينا غُديَّةً = سوارٌ وخلخالٌ وبردٌ مفوَّفُ
ومنقطعاتٌ من عقودٍ تركنها = كجمرِ الغضا في بعض ما يُتخطرفُ
وأصبحتُ غرِّيدَ الضُّحى قد ومقْنني = بشوقٍ ولمَّاتُ المحبِّينَ تشعفُ
رائع ... :)
¥