ـ[معالي]ــــــــ[29 - 10 - 2007, 09:20 ص]ـ
بارك الله فيكم، د. منذر، وشكر لكم تجاوبكم.
خلافا لرأيكم، حفظكم الله، بقلة الشعر في صدر الإسلام مطلقا، كما فهمتُ من ردّكم، فإن شيخنا أ. د.عبدالله العضيبي يرى أن عصر صدر الإسلام ينقسم إلى مرحلتين:
الأولى: مرحلة البعثة المحمدية، وفيها حقق الشعر حضورًا بارزًا، وكان له فيها صوت بعيد جدًا.
أما الثانية فهي مرحلة الخلافة الراشدة، وفيها كان ركودُ الشعر لعواملَ ذُكر بعضُها في ثنايا حديثكم أعلاه.
هذا شيء.
والشيء الآخر قلتم، وفقكم الله:
فمن الصعب ان يفرق المرء في الفترة الاولى من ظهور الحركة الاسلامية بين شعر جاهلي وشعر اسلامي الا اذا ورد في النص الشعري الماعات قرآنية واضحة لأن العهد قريب والاسلام فتي وليس من السهولة حدوث الانقلاب بين ليلة وضحايا
فكيف نوفق بين هذا وبين قول بعضهم إن أحد أسباب إعراض الرواة عن رواية الشعر الإسلامي ما اتسم به من سهولة الألفاظ، ولاسيما الشعر القرشي منه، معضدين ذلك بقول الأصمعي رحمه الله في حديثه عن أبي عمرو بن العلاء: "جلستُ إليه عشر حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي"؟
فلكأنّ ثمة فرق واضح كل الوضوح بين شعر العصرين يحمل الرواة على الإعراض عن الإسلامي!
أسأل عن هذا وما زال في ذهني كلمة د. يحيى الجبوري (أو هو د. ناصر الدين الأسد) التي أشرتُ إليها آنفا.
شكر الله لكم، وبارك فيكم وفي علمكم.
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[29 - 10 - 2007, 11:45 ص]ـ
حضرة الاخت معالي وفقك الله:
اشكرك على السؤال والاهتمام , وفي الحقيقة لقد أعدتني الى عهد قديم وزمن منصرم ايام كنا عصبة من الجامعيين ممن نفخ الله الحماس في نفوسهم وأيدهم بالعزم والمثابرة على القراءة والتنقيب , وكنا ندخل في نقاشات تبقينا ساهرين طول الليل , وامامنا نضيد من الكتب القديمة وكتب التراث ذات الورق الاصفر والرائحة المحببة التي لم تفارق ذاكرتي الى يومي هذا. أما بعد:
أنا لاأخالف كثيرا الدكتور العضيبي فيما ذهب اليه لأن أدب صدر الاسلام يجب أن يقسم الى مراحل لا أن يقال انه يمتد من بداية الدعوة المحمدية الى نهاية العصر الاموي بل يتألف من المراحل التالية:
- مرحلة البعثة.
- مرحلة الراشدين.
- المرحلة الاموية.
انا لم أقل ان الشعر كان قليلا بل قلت ان كمية الانتاج الشعري كانت قليلة مقارنة مع كمية الانتاج في العصر الجاهلي وأقصد هنا الشعر الذي انتجه شعراء المسلمين وليس شعراء قريش فقد نزل الشعراء الى ساح المواجهة القكرية العقائدية وكثر عددهم وكان منهم عبد الله بن الزبعرى , وغيره فاشتد أذاهم لرسول الله (ص) حتى أذن لحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة بخوض المعركة والملاحظ هنا ان كلا الفريقين لم يعتمد عقيدته للرد على الآخر بل تهاجوا على النمط الذي كان معروفا قبل في العصر الجاهلي أي الفخر بالنسب والمرتبة , وكثيرا ما استعان حسان بسيدنا ابي بكر في معرفة الانساب للرد على شعراء قريش.
اان الشعر بقي في عهد البعثة المحدية على النمط الجاهلي وهذا رأي شخصي يحتمل النقاش , وبعد ان خضعت سائر العرب للدين الجديد بعد حروب الردة هرب الشعر الى رمال الصحراء وخف الانتاج الشعري مخليا المكان لكتاب الله , وفي تلك الفترة (فترة العصر الراشدي) اشتد الخلفاء الراشدين في تأديب الشعراء ومعاقبتهم اذا تجاوزا الحد وانشغل الدين بنشر العقيدة والفتوح , ورغم ذلك فان الشعراء الذين يسمون مخضرمين مثل كعب بن زهير ومعن بن أوس والنابغة الجعدي اذا خلصنا شعرهم من الأفاظ والمصطلحات الاسلامية "الصلاة , والمعروف , والجنة ,والنار" وجدنا ان الشعر يعود الى شكله الجاهلي ووجدنا ان تأثرهم بالاسلام (من ناحية الاسلوب الشعري) هو تأثر بسيط وأعود الى رأيي السابق وهو ان الشعر في فترة البعثة وفترة الخلفاء الراشدين وشطر من العصر الاموي يمكن ان نقول عنه بقليل من التجاوز انه في بعض أغراضه (الهجاء والغزل) امتداد للشعر الجاهلي من الناحية الفنية , ولاأجد من المفيد البحث عن نمط شعري جديد في هذه الفترة فهل يمكن لنا ان نفرق كثيرا هجاء النقائض عن الهجاء القديم اللهم الا من بعض المصطلحات الجديدة التي فرضها العصر , وهل يمكن أن نفرق غزل العذريين في صدر الاسلام عن غزلهم في الجاهلية.
بعد الفتنة الكبرى ومقتل سيدنا عثمان ونشوء الاحزاب الدينية والسياسية على حد سواء تأثر الشعر تاثرا مابعده تاثر ودافع شعراء كل حزب عن فكر حزبهم واستمال الامويون الشعراء بالمال وأذكوا بينهم روح التنافس والتهاجي , وبدأ كل منهم يستخدم كتاب الله في تبرير موقفه. هنا نستطيع ان نقول ان حدا فاصلا بين ماهو جاهلي وماهو اسلامي قد ابصر النور , ويمكن أن نقول ان الشعر السياسي هو بداية لتشكل تراث شعري اسلامي , وهذا ايضا رأي شخصي يحتمل النقاش.
أما ان الرواة قد أعرضوا عن الشعر الاسلامي لسهولة الفاظه فهذا قول مردود رغم ان السهل هو الذي يعلق بالذاكرة اكثر ويتداوله الناس بمختلف طبقاتهم , ولكن السبب لايكمن في هذا بل لأن الاسلام لم يشجع على الشعر , والقرآن يقول:"والشعراء يتبعهم الغاوون" , " وما علمناه الشعر وما ينبغي له" , وفي الحديث الشريف: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ فمه شعرا" , فانفض المسلمون عن قول الشعر أو روايته رغم علمهم ان الاسلام رفض من الشعر ذاك الاتجاه يثير العصبيات ويفرق الشمل ويثير الاحقاد.
أما الاصمعي فقد فلايؤخذ قوله دليلا على تقسيم العصور الشعرية في صدر الاسلام , فمعروف ا ن ابا عمرو بن العلاء شيخ مقرئي البصرة وامام المدرسة البصرية في النحو لم يكن يحتج في مجالسه الا بكتاب الله أما اذا اعترضت مسالة لغوية فكان يستشهد بالشعر ولاأظن الاصمعي يعني في قوله ما نذهب اليه في حديثنا هذا , وقد يكون المقصود بالشعر الاسلامي هو الشعر الذي قيل بعد الدعوة الاسلامية , وانا شخصيا لااعتقد ان العصور الادبية بشكلها الحالي الذي نعرفه في الادب والشعر كانت موجودة وقتها في أذهان الناس أو كانوا يفهمونها كما نفهمها نحن الذين يفصلنا عنهم أكثر من الف عام.