تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والغريم معناه الدائن , والدين همٌّ على المدين اذا ركبه , فكم من همّ فرجّه دين أو مال من غريم اي تفريج هم بهم , وكم من جهل بغيب محجوب كشفه ظنٌّ غير متيقن أو جهل من شاكلته.

والمقصود ان الفرج يأتيك من حيث لم تحتسب , والله أعلم.

ـ[أحمد منصور]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 07:53 م]ـ

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أولا: بارك الله فيكم على الترحيب بي في هذا المنتدى الطيب

ثانيا:أشكركم جزيل الشكر على همتكم العالية و نفسيتكم الخيرة، فقد برهنتم لي بتفاعلكم على مدى حرصكم على الإجتهاد و الإبداع.

ثالثا: الحقيقة فوجئت بمداخلتكم فأول مرة أرى شباب مبدعون، يجتهدون و يجدون بدون ان ينقلوا من أفكار الاخرين، و هذا لعمري سلوك راق لم أجده في أي منتدى.

رابعا: أود ان اخبركم ان هذا البيت سبق لي أن طلبت شرحها في إحدى المنتديات فما كان للمتدخلين إلا ان يمطروني وابلا من النقولات من كتب التفسير و اللغة، و رفضوا مناقشة أي رأي يتعارض مع ما نقلوا، و تعلمون أن المقلد و الجامد دائما لا يستطيع أن يأتي بجديد.

خامسا: هذا البيت أثر فهمه كثيرا على معنى الظن في القرآن الكريم، فلما فهمه المفسرون و اللغويون أصحاب المعاجم فهما خاطئا، ادى ذلك إلى فهم خاطئ لمعنى الظن في القرآن الكريم و لي عودة إن شاء الله مع هذه الآيات التي طال حولها الجدل ففهمت على غير حقيقتها و بالتالي فقدت جماليتها و روعتها البلاغية و البيانية.

لا أطيل عليكم فسأدخل في الشرح مباشرة فأقول و بالله التوفيق:

قبل أن أشرع في شرح هذا البيت الجميل أريد أن أعلمكم أن هذا البيت قد سبق للمفسرين أن فسروه، و لكن لم يوفقوا في تفسيره حيث وقفت لهم لفظة الظن حاجزا بينهم و بين المعاني الراقية التي يقصد الشاعر من بيته، فضاعت مع شرحهم جمالية البيت و جودة معانيه، وهذا لا يحط أبدا من قدرهم و علمهم بل لكل علم أهله، فقد ترى عالم الحديث المبدع في علمه ليس بنفس القوة في الفقه مثلا وهذا لا يحط من قدره.

فقد قابل شراح البيت من المفسرين بين الهم الذي فرّجه الغريم وبين الغيب المجهول الذي كشفه بظنون ليكون الكشف باليقين لا بالشك! فكما أنه لم يجد من يفرج الهم به إلا آخر من يمكن أن يكون مصدرا لتفريجه وهو نقيضه أو غريمه، فإنه لم يجد من يكشف الغيب به إلا نقيض الغيب الذي هو اليقين الذي يرى به الأمور على حقيقتها ويجلي به الغيب الذي خفي بأصدق ما يجليه بما لا يدع مجالا للشك، وهنا كانت المغالطة!

فلو كان البيت بهذا المعنى لما ارتقى لأن يكون شعراً ولا كان قائله خلد به أبداً؛ ولكنه بيت شعر وأي بيت! بيت قاله شاعر يعرف الشعر حق المعرفة! وما ارتقى إلى درجته تلك إلا بهذا الأداء العظيم الذي أدته لفظة "الظنون" كما لعب الغريم دوره في رقيه .. ويتضح أن ما ذهبوا إليه باطل.

فالشاعر يقول:

رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَريمٍ ***** وغُيوبٍ كَشفْتَها بِظُنونِ

لنتأمل أولا معنى البيت الأصلي و لنبدأ بالصدر: يقول إن الهم استبد به وأخذ عليه جماع نفسه وملك أمره حتى أن الغريم الذي في العادة يحب أن يزيد همه هذا الغريم من شدة ما رآه من همه رقّ قلبه له فراح يفرّج عنه همه وما زال يخفف وطأة ذلك الهم عن نفسه حتى فرّجه عنه وهو غريمه.

و للتمهيد لفهم عجز البيت نضرب المثال التالي: تصور معي أن أمًّا أضاعت ابنها الوحيد و لم تعرف أين ذهب و ماذا يكون مصيره، فماذا تفعل بها الظنون في هذه الحال؟ أتراها يهدأ لها بال؟ أو ترتاح لها نفس؟ ستراها كالمجنونة تتقلب ذات الشمال و ذات اليمين و ترى نفسها تتعذب من شدة المخاوف و الهموم و هذه الخواطر: أتراه حي! أتراه ميت! أتراه يبكي! أتراه يضحك!!! كل هذه الهواجس مصدرها الظنون التي كلما أوشكت أن تنتهي فاجأتها ظنون أخرى تكاد تؤدي بها إلى الموت. فهل مثلا إذا علمت هذه الأم أن إبنها ميت سيكون حالها أحسن مما لو بقيت على هذا الحال من الظنون؟!!

يقول الشاعر في عجز البيت: إن الظنون التي في العادة تعمل على زيادة الهموم ومضاعفتها هذه الظنون لما رأت من حالي ما لا يوصف تحننت علي وعطفت على حالي فراحت تكشف الغيوب لي بدلا من أن تزيدها قتامة كما هي عادتها فالظنون هي التي كشفت الغيوب لي من شدة ما رأت من همي.

ويا له من معنى راقٍ راقٍ راقٍ!!

إذن فالشاعر يقول إنه حتى الظنون التي من طبعها زيادة الغيب إظلاما ووحشة والنفس هماً وكرباً هذه الظنون نفسها، ويا للعجب من شدة ما رأت من حالي كشفت لي الغيوب لتخفف عني!!

ولا بد من ملاحظة حرف الباء الذي اقترن بالغريم وبالظنون لنرى أن الذي فرج همه وكشف غيوبه هما الغريم والظنون فبالظن نفسه انكشف الغيب وبالغريم نفسه انفرج الهم وهُما آخر ما يتصور المرء أن يكونا عونا له على هذا الأمر!

فيا له من بيت ويا له من شاعر!!

الرجاء من قرأ هذا الموضوع أن لا يبخل علينا بالدعاء و الرد الجميل.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير