ـ[منصور مهران]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 08:37 م]ـ
السيد الأديب أحمد منصور أبدى وجهة نظر تدل على ملكة راسخة في محاولة الفهم والمناقشة، وليس معنى ذلك أنها نهاية المطاف في القول حول هذا البيت؛ لذلك سأعيد حديثي إليه بُغية الحقيقة وحدها:
أولا: الشاعر قال: (رب هم) فلفظ (هم) جاء نكرة وهو يحتمل التحقير كما يحتمل التعظيم - والمُنَكَّر متعدد بلا شك -؛ فالأول لا يستحق من الشاعر أن يذكره ليفخر بتفريجه، والثاني هو المقصود لا محالة، والشاعر يفخر بحكمته في مواجهة أي هم، وبالطبع فهو المُفرِّج للهم وليس الغريم (أو العزيم - كما أحب أن أقراه -) ولو كان الغريم يشفق على الشاعر من شدة ما أصابه فلا قيمة للرجل العاجز عند مواجهة هم يصيبه.
ثانيا: بغض النظر عن معنى الظن،
فالشاعر ثاقب النظرة في عواقب الأمور بحيث لا يدعها غيبا بل يكشفها كشفا لا غموض بعده وهذا ما يسمونه الفراسة، والعرب - في جاهليتهم وإسلامهم - يعتدون بالفراسة ويفخرون بها أيما فخر، ولا يفخرون بالظنون التي ترق لهم في حال الشدة فتعينهم على شدائدهم، بل يفخرون بالملكة الراسخة في النفس يستخدمها صاحبها حيثما شاء ووقتما يشاء لأنه المتصرف فيها أبدا.
والباء في اللفظين دالة على الاستعانة: فقد استعان بعزيمته، كما استعان بفراسته وهو المألوف في كلام العرب.
هكذا فهمتُ البيتَ، ويحق لكل قارئ أن يكون له فهمه الخاص حتى تُستَثمر العقول ولا تجمد عند قول واحد.
وبالله التوفيق.
ـ[د. منذر عمران الزاوي]ــــــــ[22 - 11 - 2007, 09:21 م]ـ
أنا اؤيد وجهة نظر الاخ منصور فيما ذهب اليه من حيث ان كل واحد يفهم النص من زاويته الخاصة فلو تمعنّا قليلا في البيت لراينا ان الفاعل في فعل فرّج والفاعل في فعل كشف يعود الى الشخص المخاطب الذي يريد تفريج همه وكشف الغيوب من أمام ناظريه أي انه هو بالذات من يقوم بتفريج همه ويكشف الغيوب بحدسه الخاص , وليس الغريم أو الظن , وعلى العموم فان المعنى العام يبقى "قد يأتي الفرج من حيث لايحتسب المرء" , ولو اردنا الايغال في ذلك فسوف نستمر في الحديث ولن نصل الى نتيجة.
وقديما تعجب ابو نواس من أحد المفسرين كيف اعطى تفسيرات لشعره لم يقصدها واستحسنها منه , ومثل هذا حدث مع ابي الطيب.
والامثلة على ذلك كثيرة في الادب العربي ومنها هذان البيتان:
ان التي ناولتَني فرددتها ..... قُتِلتْ قُتلتُ فهاتِها لم تقتل
كلتاهما حلبُ العصير فعاطني ...... بزجاجة أرخاهما للمفصل
فهما يحتملان التأويل والتفسير والمعاني الكثيرة وكلها صحيح.
هذا رايي الشخصي أعرضه ولاافرضه , وفقكم الله جميعا
ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[24 - 11 - 2007, 03:35 م]ـ
:::
سبحان الله مفرج الكروب وكشاف الغيوب ...
رب هم فرجته بغريم - وغيوب كشفتها بظنون
السبب الرئيس للهم هو ضيق العيش، والسبب الرئيس لضيق العيش هو قلة المال، وهذا هو الهم الأول الناشئ عن قلة المال ولا علاقة له بالدين، وأنا أسميه "هم ما قبل الدين"، لكن هناك هم ثان ينشأ عن الاستدانة واقتراض المال، وأنا أيضا أسميه "هم ما بعد الدين".
أما كلمة الغريم فلها معنيان رئيسيان متضادان بحسب المعاجم العربية، الأول هو المدين أو المقترض، والثاني هو الدائن أو المقرض مقدم القرض.
ينبغي علينا في البداية أن نستبعد احتمال الربط بين "الغريم" بمعنى الدائن" وبين تفريج الهم الناشئ عن الدين، أي "هم ما بعد الدين" إذ ليس من المنطق ولا من البداهة أن يتنازل الدائن عن دينه بهذه السهولة، فذلك احتمال بعيد وفيه تكلف واضح.
بيد أن الأمر المنطقي والبديهي الذي يتبادر إلى الأذهان من البداية فهو الربط بين "الغريم" بمعنى الدائن" وبين تفريج الهم الناشئ عن ضيق العيش، أي "هم ما قبل الدين"، إذ إن قيام الدائن المقرض بتفريج الضائقة المالية أقرب وأسهل إلى التصديق وأكثر منطقية من قيامه بتفريج "هم ما بعد الدين" من خلال التنازل عن دينه وحقه تكارما وهو أمر بعيد الاحتمال في العادة، ومن حيث منطق الأمور.
فالشاعر في الشطر الأول للبيت يعني أن الهم الناشئ عن ضيق ذات اليد يأتي الغريم الدائن فيفرجه بتقديمه الأموال التي تساعد في تفريجه وتخفيفه.
كذلك فإن كلمة الظنون (جمع ظن) في الشطر الثاني من البيت لها أيضا معنيان رئيسيان متضادان بحسب المعاجم العربية، الأول هو الظن بمعنى الشك والحسبان وهو الأصل والقاعدة، والثاني بمعنى اليقين والإيمان ويستخدم غالبا فيما خرج إلى الحس، وهذا الظن اليقين مثل الظن اليقين في قوله تعالى في الآية 46 من سورة البقرة "الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"، أي يوقنون أنهم مبعوثون، و الظن منهم يقين. ومنه قوله تعالى: "إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (الحاقة 20)، وقوله: "وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا" (الكهف 53)، وذلك لأن مورد الاعتقاد بالآخرة هو مورد يقين لا يفيد فيه الظن والحسبان.
علما بأن بيت الشعر هذا المنسوب إلى أبي داود، يكثر الاستشهاد به في تفاسير القرآن الكريم، من أجل التأكيد على معنى الظن عند وروده بمعنى اليقين.
أما الأمر الذي يوجب علينا الربط بين الغيوب والظنون بمعنى اليقين فهو التضاد الواضح بين المعنيين، وذلك لأن الغيوب إذا تكشفت فإنها تتحول شهودا وحقيقة ويقينا، وتنتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة واليقين.
فالمعنى في رأيي أن الشاعر يناشد الله مفرج الكروب وكشاف الغيوب، على اعتبار أن الباء الأولى (بغريم) سببية، وأن الباء الثانية (بظنون) باء بدل كتلك التي في قوله تعالى: "فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (بِالْآخِرَةِ) وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً" (النساء:74).
والله أعلم،
منذر أبو هواش
.