بعيني .. أو يمنى يدي َّ!! وقيل لي ** هو الغانم الجذلان حين يؤوب ُ
ولا أقسى من مواقف الفقد إلا مواقف ارتبطت بشموخ الفقيد فكانت من اختصاصه , حين يُعرف بها ويناديه من يحتاجه فيها فلا يرد ..
أيها الباحث عنه: ارفع صوتك رجاء ً " لعل أبا المغوار منك قريب ُ "!
وداع ٍ دعا هل من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبْه ُ عند ذاك مجيب ُ!!
فقلت ادفع بأخرى وارفع الصوت دعوة ** لعل َّ أبا المغوار منك قريب ُ!
يجبْك , كما قد كان يفعل إنه ** أمثالها رحب الذراع ِ أريب ُ
أتاك سريعا واستجاب إلى الندا ** كذلك قبل اليوم كان يجيب ُ!
يعود مترنحا باللوعة للكرم والشجاعة , لا تترك له الذكرى فسحة ً من نسيان , ولا سبيلا من سلوى .. فكل ما بقي بعده: (قليل) .. انتهت منه الدنيا وتجهزت لتخطف آخر , فما أحمق من يؤمل كثيرا في دار فناء ٍدنيّة ..
يبيت الندى يا أم عمرو ٍ ضجيعُه ** إذا لم يكن في المنقيات حلوب ُ
فعشنا بخير ٍ حقبة ثم جلحت ** علينا , التي كل الرجال تصيب ُ!!
فأبقت قليلا فانيا وتجهَّزت ** لآخر والراجي الحياة كذوب ُ
وأعلم أن الباقي الحي منهما ** إلى أجل ٍ أقصى مداه ُ قريب ُ
من يبكيك أبا المغوار .. بل السؤال الأحرى والأكثر حرارة من الذي لا يبكبك؟
ليبكِك َ شيخ ٌ لم يجد من يعينه ** وطاوي الحشا نائي المزار غريب ُ
كأن َّ أبا المغوار لم يوف مرقبا ** إذا ربأ القوم الغزاة رقيب ُ
ما تركت له صعقة موت أبي المغوار إلا حريق الأسئلة , واشتعال الإجابات .. فكان الحد الفاصل بين الحياة قبله والحياة بعده .. فالراحل يبدو باسقا في ذاكرته بلا خطايا بلا عيوب ,- وكثيرا ما نرى الراحلين أجمل .. ونسمع أصواتهم أندى وأعذب- .. تمتليء ببهاء صورته السماء , ويتضمخ بعطر ذكراه المساء,, فيتواصل الليل بالنهار , وتلتحم الصورة بالذكرى .. ويمتد المساء ليشمل جوانب الحياة كلها .. كل ما بعده " ليل "
انهار النهار بغروب أبي المغوار ..
ويستمر الغيث الباكي بالهطول .. فيرتفع منسوب الصدق .. و يفيض,, ليغمر َ قلوبا منكوبة , ويعمرَ صدورا مسلوبة:
وإني لباكيه , وإني لصادق ٌ ** عليه وبعض القائلين كذوب ُ
لعمر كما أن البعيد الذي مضى ** وإن الذي يأتي غدا لقريب ُ!!
ألا هل أتى أهل المقانب أنه ** أقام وعرّى الناجيات ِ شبيب ُ
فتى الحرب إن حاربت كان سمامها ** وفي السفر مفضال اليدين وهوب ُ
إذا ذرَّ قرن ُ الشمس عللْت ُ بالأسى! ** ويأوي إلي َّ الحزن! حين تغيب ُ!!
. . . . . .
وفي الختام:
لم َ تأثر بهذه الدامعة كثير من الشعراء؟!
" تتضح عند أبي العتاهية: إذا ما خلوت الدهر "
لا لصورة مبتكرة ولا لمعنى نادر ..
بل تفردت ولا شك:
لحريق الفقد الموغل في حنايا الضلوع ..
الذي لا تطفئه شلالاتُ الحزن المتدفق في دموع ..
لفائض الصدق .. وفارض الحُب ّ ..
تأثروا؛
لِكَم ِّ المؤكدات اللغوية, واللا لغوية ..
(وإنِّي لَبَاكِيهِ وإنِّي لَصادقٌ)
رحم الله موتانا وموتى المسلمين .. ومتَّعَنَا وإياهم بلذة النظر إلى وجهه الكريم ..
والحمد لله رب العالمين ..
ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[01 - 12 - 2007, 07:22 ص]ـ
أسعد الله صباحاً ذرّت قرن شمسه بهذه الرائعة ...
بارك الله عليك أستاذتي الكريمة عودتك الزهية البهية بهذه البكائية ...
في الحقيقية لقد كدت أن أضع هذه الأبيات منذ فترة طويلة وقد أوشكت أن أعتمد الموضوع لكن صرفني صارفٌ ما وجعلني أرتئي غير هذا الرأي ..
وكأن الموضوع يقول هناك من هو أولى منك بهذه القصيدة عرضاً وطرحاً ..
فجزاك الله خيراً على هذا العرض الباهر والطرح الزاهر ..
هذه الرائعة كما تفضلتم وذكرتم ..
من أروع المراثي التي قالتها العرب ...
ومن يُعمل فيها ناظر تأمله يجد الحزن والشجن متسللا إلى قلبه شاء أو لم يشأ ..
والذي يشدني إلى مراثي الأخوة بعضهم بعضاً ...
الوفاء الأخوي الذي أصبح شبه مفتقدٍ في عصرنا ..
حيث أن الأخ هو يمين الفتى التي تعينه على نوائب الدهر ..
وهو قرة عينه وسكن نفسه ..
تفيئ إلى ظل مواساته عند اللزبات ...
وتعتضد بعضد معونته عند الأزمات ...
ولها بالنسبة لي - المراثي الأخوية -
موقعٌ خاصٌ جداً ...
ألا ترون هذا البيت:
أخي! ما أخي؟!! لا فاحش ٌ عند بيته ** ولا ورع ٌ عند اللقاء هيوب ُ
عجيب هذا التساؤل ..
أخي ..
¥