تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[ابوروان]ــــــــ[12 - 12 - 2007, 12:20 ص]ـ

الفصل الثاني

رثاء الأبناء ..

مدخل:

يُعد الرثاء من أقدم, وأهم فنون الشعر التي مارسها الإنسان, لارتباطه بحقيقة كونية كبرى وهي الموت، ولارتباطه بحاجات نفسية إنسانية أساسية, منها الحزن الذي يصاحب حقيقة موت إنسان عزيز، ومنها رغبة الإنسان في الخلود، أو أن يبقى ذكره حتى بعد موته ممثلاً في تمثال خالد، أو كتاب، أو الذكر الحسن الذي تخلده قصيدة الرثاء.

ـ فقد الأبناء:

والأبناء هم اقرب الناس إلى الشاعر الأب ,فلذالك يكون الوقّعُ اكبر, والحدث أجلّ ,فيبكي بالدموع الغزار, وينظم فيه الأشعار التي تبث لوعة القلب وحرقته, لان الابن مضغة منه ,وفلذة كبده ..

وسوف نعرض قصائد رثاء الأبناء في هذا الفصل مرتبة بحسب العصور التي قيلت فيها, وبالله التوفيق ..

ـ رثاء الأبناء في العصر الجاهلي ..

الرثاء من أقدم الأغراض الشعرية, يقول شوقي ضيف:"لقد عرف العرب الرثاء منذ العصر الجاهلي" (1)

وسوف اعرض بعض النصوص التي قيلت في رثاء الأبناء في العصر الجاهلي, ونبدؤها بأقدمها, حيث وجدت أحيحة بن الجلاح (2) من أقدم الشعراء الذين رثو أبنائهم وكان عام 130قبل الهجرة تقريبا, ويقول في قصيدة يرثي ابنه:

أَلاّ إِنَّ عَيني بِالبُكاءِ تُهلِلُ

جُزوعَ صَبورٍ كُل ذَلِكَ تَفعَلُ

فَإِن تَعتَريني بِالنَهارِ كَآبَةٌ

فَلَيلي إِذا أَمسى أَمر وَأَطوَلُ

فَما هَبرَزىٌّ مِن دَنانيرِ أَيلَةٍ

بِأَيدي الوُشاةِ ناصِعٌ يتأَكَّلُ (3)

بِأَحسن مِنهُ يَومَ أُصبِحُ غادياً

وَنَفَّسَني فيه الحِمامُ المُعجلُ (4)

.............................................

1ـ الرثاء للدكتور شوقي ظيف صفحة7

2ـ هو أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبى بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. ويكنى أحيحة أبا عمرو, كتاب الأغاني للأصفهاني جزء6 صفحة 1642

3ـ هبرز: الأسوار من أساورة الفُرْس والدينار الجديد والجميل الوسيم من كل شيءٍ والأسد والخفُّ الجيّد والذهب الخالص. (لسان العرب) أَيْلَة: اسم بلدٍ (محيط المحيط) (معجم البلدان لياقوت)

4_ معجم البلدان لياقوت الحموي جزء 1 صفحة 202

ومن بعد احيحة, يأتي الحارث ابن عباد (1) من حيث القدم فقد رثى ابنه بجير الذي قتله المهلهل عدى ابن ربيعة وبكاه بقصيده مبكية وكانت في عام 50قبل الهجرة تقريبا ويقول فيها:

كُلُّ شَيءٍ مَصيرُهُ لِلزَّوالِ غَيرَ رَبِّي وَصالِحِ الأَعمالِ

وَتَرَى النَّاسَ يَنظُرونَ جَميعاً لَيسَ فيهِم لِذاكَ بَعضُ احتِيالِ

قُل لأُمِّ الأَغَرِّ تَبكِي بُجَيراً حيلَ بَينَ الرِّجالِ وَالأَموالِ

وَلَعَمري لأَبكِيَنَّ بُجَيراً مَا أَتَى المَاءُ مِن رُؤوسِ الجِبالِ

لَهفَ نَفسي عَلى بُجَيرٍ إِذا مَا جالَتِ الخَيلُ يَومَ حَربٍ عُضالِ

وَتَسَاقَى الكُماةُ سُمّاً نَفيعاً وَبَدَا البِيضُ مِن قِبابِ الحِجالِ

وَسَعَت كُلُّ حُرَّةِ الوَجهِ تَدعُو يَا لِبَكرٍ غَرَّاءَ كَالتِّمثالِ

يَا بُجَيرَ الخَيراتِ لاصلحَ حَتَّى نَملأَ البِيدَ مِن رُؤوسِ الرِّجالِ

وَتَقَرَّ العُيونُ بَعدَ بُكَاهَا حِينَ تَسقِي الدِّمَا صُدُورَ العَوالِي

أَصبَحَت وائِلٌ تَعِجُّ مِنَ الحَربِ عَجيجَ الجِمالِ بِالأَثقَالِ

لَم أَكُن مِن جُناتِها عَلِمَ اللهُ وَإِنِّي لِحَرِّها اليَومَ صالِ

قَد تَجَنَّبتُ وائِلاً كَي يُفيقوا فَأَبَت تَغلِبٌ عَلَيَّ اعتِزالِي

وَأَشابوا ذُؤابَتِي ببُجَيرٍ قَتَلوهُ ظُلماً بِغَيرِ قِتالِ

قَتَلوهُ بِشِسعِ نَعلٍ كُلَيبٍ إِنَّ قَتلَ الكَريمِ بِالشِّسعِ غالِ

..............................................................

1ـ هو الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة البكري من شعراء العصر الجاهلي. كتاب جمهرة انساب العرب لابن حزم صفحة 138

ويسترسل مهدداً قتلت ابنه بجير بالوعيد بأخذ الثار منهم ويقول:

يَا بَنِي تَغلِبَ خُذوا الحِذرَ إِنَّا قَد شَرِبنَا بِكَأسِ مَوتٍ زُلالِ

قَرِّبا مَربَطَ النَّعامَةِ مِنِّي لَقِحَت حَربُ وَائِلٍ عَن حِيالِ

قَرِّبا مَربَطَ النَّعامَةِ مِنِّي لَيسَ قَولِي يرادُ لَكِن فعالِي

قَرِّبا مَربَطَ النَّعامَةِ مِنِّي جَدَّ نَوحُ النِّساءِ بِالإِعوالِ

قَرِّبا مَربَطَ النَّعامَةِ مِنِّي لِبَجَيرٍ مُفَكِّكِ الأَغلالِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير