. ويعني بذالك أن القصيدة تخلو من المقدماتالتمهيدية, والطللية, ومن النسيب, كما تجد النقاد يذكرون ذالك, وأنها من عادة الشعراء في افتتاح قصائدهم في الرثاء. "ويُذكر أنه ليس من عادات الشعراء, و سننهم أن يقدموا قبل الرثاء نسيبا , كما يصنعون ذلك في المدح والهجاء. .
ويعللون ذلك بأن الأخذ في الرثاء يجب أن يكون مشغولا عن النسيب بما هو فيه من الحسرة والألم والاهتمام بالمصيبة" (1)
وخير شاهدا في ذالك قول الشاعر, زهير بن جذيمة العبسي
يرثي أبنه شأس, كما تقدم, ومنها قوله:
بكيت لشأس حين خبرت أنه بماء غني آخر الليل يسلب
لقد كان مأتاه الرداه لحتفه وما كان لولا غرة الليل يغلب
فتيل غني ليس شكل كشكله كذاك لعمري الحين للمرء يجلب
سأبكي عليه إن بكيت بعبرة وحق لشأس عبرة حين تسكب
وحزن عليه ما حييت وعولة على مثل ضوء البدر أو هو أعجب
ففرج عنه ثم كان وليه فقلبي عليه لو بدا القلب ملهب (2)
فقد استهل قصيدته بالبكاء على فقيده من غير مقدمات, وإنما دخل في الموضوع مباشرة, لمراعاة الحال الحزينة التي يعيشها الشاعر.
..................................................................................
1ـ منقول بتصرف من:كتاب الأسلوب وتحليل النصوص, د. محمد أبو نبوت وأ. محمد الحويطي. صفحة94
2ـالأغاني ج5 صفحة 1204
"كذلك تجد الرثاء يستلزم بناءً يلائمه ويتطلبه، سواء في بنية الكلمات داخل القصيدة أو في تركيبه ونظمه، فترى تكرار اسم المرثي نظماً مطرداً، فيه زيادة فياللوعة, والحسرة." (1) وان كان الكلام عن الرثاء عامة, إلا وان رثاء الابن اخص بتلك الخاصية لأنه اصدق الرثاء لقرب المتوفي من قلب الشاعر وعواطفه, كما في قول الحارث ابن عباد في قصيدته التي رثاء ابنه بجير, ويقول فيها:
قُل لأُمِّ الأَغَرِّ تَبكِي بُجَيراً حيلَ بَينَ الرِّجالِ وَالأَموالِ
وَلَعَمري لأَبكِيَنَّ بُجَيراً مَا أَتَى المَاءُ مِن رُؤوسِ الجِبالِ
لَهفَ نَفسي عَلى بُجَيرٍ إِذا مَا جالَتِ الخَيلُ يَومَ حَربٍ عُضالِ
وَسَعَت كُلُّ حُرَّةِ الوَجهِ تَدعُو يَا لِبَكرٍ غَرَّاءَ كَالتِّمثالِ
يَا بُجَيرَ الخَيراتِ لاصلحَ حَتَّى نَملأَ البِيدَ مِن رُؤوسِ الرِّجالِ (2)
تجد لتكرار اسم بجير معنى خاص، حين تدرك أن التي يكرره أب موجوع نادب أبنا كان اقرب الناس إلى قلبه، وكان باراً به أبلغ بر، فكأنه وهو يكرر اسمه يندب فيه تلك الخصال الكريمة والشمائل الحميدة ..
.................................................................................................... .......
1ـ كتاب الاسلوب وتحليل النصوص, د. محمد أبو نبوت وأ. محمد الحويطي. صفحة112
2ـ سبق ذكر المصدرفي الفصل الثاني
ـ المعاني و الألفاظ:
حلت معاني الحزن والأسى في قصائد رثاء الأبناء, وهذه المعاني تتصل بحال الشاعر المفجوع بفقد ابنه, ويتضح غالباً في المعاني فطرية صريحة صادقة لا مبالغة فيها, فالعبارات تقريرية مباشرة, وشديدة الوضوح, وفيها رقة ,وألفة في الألفاظ؛مثاله قولعلي بن ثابت يرثي ابنه: (1)
يا كذب الله من نعى حسناً ليس لتكذيب نعيه ثمن
أجول في الدّار لا أراك وفي الدّ ار أناسٌ جوارهم غبن
كنت خليلي وكنت خالصتي لكلّ حيٍّ من أهله سكن
بدّلتهم منك، ليت أنّهم أمسوا وبيني وبينهم عدن
وعلى العموم فان المعاني والألفاظ كانت صادقة وذلك بسبب تأثرها بعاطفة الأب الرقيقة, كما قال د. مخيمر صالح وهو يتكلم عن صدق مشاعر الآباء وهم يرّثون أبنائهم:"فالرثاء بعامة من اقرب الموضوعات للنفس البشرية, فما بالك إذا كانت هذه النفس نفس شاعرة؟ ,وما بالك إذا كان الشاعر لا يرثي حاكما ,وقائدا, اوذا جاه ,وإنما يرثي ابنا له, نكاد نجزم إن الصدق في التجربة الشعرية يتمثل في أكمل صورة" (2)
......................................................................
1ـ سبق التعريف بالشاعر, وعزو الأبيات في الفصل الثاني
2ـرثاء الأبناء في الشعر العربي, د. مخيمر صالح صفحة51
¥