ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[17 - 12 - 2007, 03:49 م]ـ
ذكر الرحيل إلى طيبة وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام
لأبي بكر محمد بن محمد بن عبد الله بن رشد البغدادي
ومن بعد ما طفنا طواف وداعنا ... رحلنا لمغنى المصطفى ومصلاه
ووالله لو أن الأسنة أشرعت ... وقامت حروب دونه ما تركناه
ولو أننا على الروس دونه ... ومن دونه جفن العيون فرشناه
وتملك منا بالوصول رقبانا ... ويسلب منا كل شيء ملكناه
لكان يسيراً في محبة أحمد ... وبالروح لو يشرى الوصال شريناه
ورب الورى لولا محمد لم نكن ... لطيبة نسعى والركاب شددناه
ولولاه ما اشتقنا العقيق ولا قبا ... ولولاه لم نهوى المدينة لولاه
هو القصد إن غنت بنجد حداتنا ... وإلا فما نجد وسلع أردناه
وما مكة والخيف قل لي ولا منى ... وما عرفات قبل شرع أردناه
به شرفت تلك الأماكن كلها ... وربك قد خص الحبيب وأعطاه
لمسجده سرنا وشدت رحالنا ... وبين يديه شوقنا قد كشفناه
قطعنا إليه كل بر ومهمه ... ولا شاغل إلا وعنا قطعناه
كذا عزمات السائرين لطيبة ... رعى الله عزماً للحبيب عزمناه
وكم جبل جزنا ورمل وحاجز ... ولله كم واد وشعب عبرناه
ترنحنا الأشواق نحو محمد ... فنسري ولا ندري بما قد سريناه
ولما بدا جزع العقيق رأيتنا ... نشاوى سكارى فارحين برؤياه
شممنا نسيماً جاء من نحو طيبة ... فأهلاً وسهلاً يا نسيما شممناه
فقد ملئت منّا القلوب مسرة ... وأي سرور مثل ما قد سررناه
فوا عجباه كيف قرّت عيوننا ... وقد أيقنت أن الحبيب أتيناه
ولقياه منا بَعدَ بُعدٍ تقاربت ... فو الله لا لقيا تعادل لقياه
وصلنا إليه واتصلنا بقربه ... فلله ما أحلى وصولاً وصلناه
وقفنا وسلمنا عليه وإنه ... ليسمعنا من غير شك فديناه
ورد علينا بالسلام سلامنا ... وقد زادنا فوق الذي قد بدأناه
كذا كان خلق المصطفى وصفاته ... بذاك في الكتب الصحاح عرفناه
وثم دعونا للأحبة كلهم ... فكم من حبيب بالدعاء خصصناه
وملنا لتسليم الإمامين عنده ... فإنهما حقاً هناك ضجيعاه
وكم قد مشينا في مكان به مشى ... وكم مدخل للهاشمي دخلناه
وآثاره فيها العيون تمتعت ... وقمنا وصلينا بحيث مصلاه
وكم قد نشرنا شوقتنا لحبيبنا ... وكم من غليل في القلوب شفيناه
ومسجده فيه سجدنا لربنا ... فلله ما أعلى سجوداً سجدناه
بروضة قمنا فهاتيك جنة ... فيا فوز من فيها يصلي وبشراه
ومنبره الميمون منه بقية ... وقفنا عليها والفؤاد كررناه
كذلك مثل الجذع حنت قلوبنا ... إليه كما ود الحبيب وددناه
وزرنا قبا حبا لأحمد إذ مشى ... عسى قدماً يخطو مقاما تخطاه
لنبعث يوم البعث تحت لوائه ... إذا الله من تلك الأماكن ناداه
وزرنا مزارات البقيع فليتنا ... هناك دفنا والممات رزقناه
وحمزة زرناه ومن كان حوله ... شهيداً وأحداً بالعيون شهدناه
ولما بلغنا من زيارة أحمد ... منانا حمدنا ربنا وشكرناه
ومن بعد هذا صاح بالبين صائح ... وقال ارحلوا يا ليتنا ما أطعناه
سمعنا له صوتاً بتشتيت شملنا ... فيا ما أمر الصوت حين سمعناه
وقمنا نؤم المصطفى لوداعه ... ولا دمع إلا للوداع صببناه
ولا صبر كيف الصبر عند فراقه؟ ... وهيهات إن الصبر عنه صرفناه
أيصبر ذو عقل لفرقة أحمد ... فلا والذي من قاب قوسين أدناه
فواحسرتاه من وداع محمد ... وأواه من يوم التفرق أواه
سأبكي عليه قدر جهدي بناظر ... من الشوق ما ترقى من الدمع غرباه
فيا وقت توديعي له ما أمره ... ووقت اللقا والله ما كان أحلاه
عسى الله يدنيني لأحمد ثانياً ... فيا حبذا قرب الحبيب ومدناه
فيا رب فارزقني لمغناه عودة ... تضاعف لنا فيها الثواب وترضاه
رحلنا وخلفنا لديه قلوبنا ... فكم جسد من غير قلب قلبناه
ولما تركنا ربعه من ورائنا ... فلا ناظر إلا إليه رددناه
لنغنم منه نظرة بعد نظرة ... فلما أغبناه السرور أغبناه
فلا عيش يهنى مع فراق محمد ... أأفقد محبوبي وعيشي أهناه
دعوني أمت شوقاً إليه وحرقة ... وخطوا على قبري بأني أهواه
فيا صاحبي هذي التي بي قد جرت ... وهذا الذي في حجنا قد عملناه
فإن كنت مشتاقاً فبادر إلى الحمى ... لتنظر آثار الحبيب وممشاه
وتحظى بيت الله من قبل منعه ... كأنا به عما قليل منعناه
أليس ترى الأشراط كيف تتابعت ... فبادر واغنمه كما قد غنمناه
إلى عرفات عاجل العمر واستبق ... فثم إله الخلق يسبغ نعماه
¥