تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أحمد تيسير]ــــــــ[09 May 2008, 11:56 م]ـ

مقال رائع للعلامة الأديب اللغوي

يقول العلامة ابن عاشور ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره:

وقد قُرن بين انتفاء الجوع واللباس في قوله {ألا تجوع فيها ولا تعرى، وقرن بين انتفاء الظمأ وألم الجسم في قوله لا تظمأ فيها ولا تضحى} لمناسبة بين الجوع والعَرى، في أن الجوع خلوّ باطن الجسم عما يقيه تألمه وذلك هو الطعام، وأن العري خلوّ ظاهر الجسم عما يقيه تألمه وهو لفح الحر وقرص البرد؛ ولمناسبة بين الظمأ وبين حرارة الشمس في أن الأول ألم حرارة الباطن والثاني ألم حرارة الظاهر. فهذا اقتضى عدم اقتران ذكر الظمأ والجوع، وعدم اقتران ذكر العري بألم الحر وإن كان مقتضى الظاهر جمع النظيرين في كليهما، إذ جَمْعُ النظائر من أساليب البديع في نظم الكلام بحسب الظاهر لولا أن عرض هنا ما أوجب تفريق النظائر.

ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[10 May 2008, 09:57 ص]ـ

جزاك الله خيراً على تعقيبك أخي أحمد

... جلوت لك في الحديث السابق بعض ما تهدى إليه عقلي، واستطف لي بيانه من أسرار البلاغة في آيتين من آي الذكر الحكيم، ولعلك عجبت منها العجب كله، " وأي شيء أعجب من أن تتجاذبك معاني الوضع في ألفاظ القرآن، فترى اللفظ قاراً في موضعه لأنه الأليق في النظم، ثم لأنه مع ذلك الأوسع في المعنى، ومع ذلك الأقوى في الدلالة، ومع ذلك الأحكم في الإبانة، ومع ذلك الأبدع في وجوه البلاغة، ومع ذلك الأكثر مناسبة لمفردات الآية مما يتقدمه أو يترادف عليه ". وهذا من أظهر الفروق بين أنوع البلاغة في القرآن وبين هذه الأنواع في كلام البلغاء. فنظم القرآن يقتضي كل ما فيه منها اقتضاء طبيعياً بحيث يبنى هو عليها لأنها في أصل تركيبه، ولا تبنى هي عليه، فليست فيه استعارة ولا مجاز ولا كناية، ولا شيء من مثل هذا يصح في الجواز أو فيما يسعه الإمكان أن يصلح غيره في موضعه إذا تبدلته منه، فضلاً عن أن يفي به، وفضلاً عن أن يربي عليه، ولو أدرت اللغة كلها على هذا الموضع. فكأن البلاغة فيه إنما هي وجه من نظم حروفه، بخلاف ما أنت واجد من كلام البلغاء، فإن بلاغته إنما تصنع لموضعها، وتبنى عليه، فربما وفت وربما أخلفت، وهي لو رفعت من نظم الكلام ثم نزل غيرها في مكانها لرأيت النظم نفسه غير مختلف، بل لكان عسى أن يصح ويجود في مواضع كثيرة من كلامهم.

كم حارت العقول الواصفة في وصفه، وكلت الألسنة البارعة عن نعته، لأنه المطمع بظاهره في نفسه، والممتنع في باطنه بنفسه، ولأنه لا يشبه كلاماً تقدمه ولا يشبه كلاماً تأخر عنه، ولا يتصل بما قبله، ولا يتصل به ما بعده، فهو الكلام القائم بنفسه، البائن من جنسه، العالي على كل كلام قرن إليه وقيس به. وإنه ليرى فيه عند الانفراد بتلاوته من غرائب الفصاحة، وثواقب البلاغة، ونوادر الكلم، وينابيع الحكم، ما يعجز الخواطر عن الكلام فيه، والإيضاح عن عجائب ما فيه، حقاً إنك " لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة التي يتصرف فيها، وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه، حتى لا ترى في اللغة كلها أدل على غرضك، وأجمع لما في نفسك، وأبين لهذه الحقيقة غير كلمة (الإعجاز) ".

" ثم ماذا يبلغ القول من صفة هذا التركيب العجيب وأنت ترى أن أعجب منه مجيئه على هذا الوجه الذي يستنفد كل ما في العقول البيانية من الفكر، وكل ما في القوى من أسباب البحث، كأنما ركب على مقادير العقول والقوى، وآلات العلوم وأحوال العصر المغيبة".

" ولن تجد في وصفه كلاما ً أدق ولا أبرع، ولا أخصر ولا أجمع مما وصفه به من أوتي الحكمة وجوامع الكلم، الذي لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعاً، ولا أصدق لفظاً، ولا أعدل وزناً، ولا أجمل مذهباً، ولا أكرم مطلباً، ولا أحسن موقعاً، ولا أسهل مخرجاً، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين في فحواه، من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيراً، فهو الكلام الذي قل عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجل عن الصنعة ونزه عن التكلف، وهو الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام، ولعل بعض من لم يتسع في العلم، ولم يعرف مقادير الكلام، يظن أنا تكلفنا له من الامتداح والتشريف،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير