تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولأنه ينشر الماء على سطح الأرض بالتساوي، فتأخذ منه كل بقعة حاجتها، ولا تتعرض الأشجار والنباتات للأذى، فهذا سر إيثار (الربوة) وسر (إصابة الوابل) كما بينه العلم الحديث، وجاء بيانه مصداقاً لقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).

... يتبع

ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[11 May 2008, 07:53 ص]ـ

.... حدثتك في حديث مضى عن بعض الأسرار البلاغية في قوله تعالى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابه وابل فآتت أكلها ضعفين)، ولست أزعم أني أشرفت على الأمد، وأوفيت على معجزة الأبد فيما أفضت القول فيه: " فإن هذا أمر ضيق كثير الالتواء لمن تلمس جوانبه، واقتحم مصاعبه، وما أشبه القرآن في تركيب إعجازه، وإعجاز تركيبه، بصورة كلامية عن نظام هذا الكون الذي اكتنفه العلماء من كل جهة، وتعاوروه من كل ناحية، وأخلقوا جوانبه بحثاً وتفتيشاً، ثم هو بعد لا يزال عندهم على كل ذلك خلقاً جديداً، ومراماً بعيداً، وإنما بلغوا منه إذ بلغوا نزراً تهيأت لضعفه أسبابه، وقليلاً عرف لقلته حسابه، وبقي وراء ذلك من الأمر المتعذر الذي وقفت عنده الأعذار، والابتغاء المعجز الذي انحط عنده قدر الإنسان، لأنه مما سمت به الأقدار ".

وإنما الذي أستطيع أن أزعمه في غير ما خيلاء ولا تطاول، أني استطعت بتوفيق الله أن أتوسم هذه الآية على ضوء العلم الحديث، وأن ألقي على هذا التشبيه المعجب الذي احتوته، بصيصاً من النور إخاله أضاء جوانبه، وبَيَّن دقائقه، وجعلها على أعين الناس لعلهم يشهدون أن هذا القرآن (لا تنقضي عجائبه) كما قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وأن الكلمة فيه ليست كما تكون في غيره: " بل وجه السمو فيها على الكلام أنها تحمل معنى، وتومئ إلى معنى، وتستتبع معنى، وهذا ما ليس في طاقة البشر، وهو الدليل على أنه (كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير).

لقد جاء هذا المثل العبقري متمماً للصورة البيانية الرائعة التي رسمها الله لمن أنفق ماله رئاء الناس، وهو غير مؤمن: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر، فمثله كمثل صفوان عليه تراب، فأصابه وابل فتركه صلداً، لا يقدرون على شيء مما كسبوا)، فإنه سبحانه لما ضرب مثل من أنفق ماله رئاء الناس وهو غير مؤمن، ذكر ضده بتمثيل محسوس للذهن، كي يتصور السامع تفاوت ما بين الضدين، ويختار لنفسه أنسب الأمرين، وأطيب المنزلتين، وهذا من بديع أساليب فصاحة القرآن الكريم. ومن يقايس بين المثلين يجد أنه تعالى لما وصف صاحب النفقة بوصفين قابل ذلك هنا بوصفين، فقوله (ابتغاء مرضاة الله) مقابل لقوله (رئاء الناس)، وقوله (تثبيتاً من أنفسهم) مقابل لقوله (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر)، لأن المراد بالتثبيت توطين النفس على المحافظة عليه وترك ما يفسده، ولا يكون إلا عن يقين بالآخرة. وهنا بدأ بالوصف الثابت وهو كونها بربوة، ثم بالوصف المعارض وهو أصابها وابل، وجاء في وصف صفوان قوله (عليه تراب) ثم عطف عليه بالتاء، وهنا لم يعطف بل أخرج صفة، على ما ذهب إليه (أثير الدين)، ولو أمعن الناس النظر في هذه الصورة البيانية الرائعة، وجعلوها نصب أعينهم، وتفطنوا لأسرارها، لحُبَِّبت إليهم البذل في ابتغاء مرضاة الله، وكُرِّهت إليهم المن والأذى، فَرَقاً من أن يبطل الله بذلهم، ويأباه عليهم كما أباه على الكفار والمنافقين

.... يتبع

ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[12 May 2008, 02:40 م]ـ

يقول الله عز وجل: (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به، أولئك لهم عذاب أليم، وما لهم من ناصرين).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير