تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

غير أن تعبير القرآن بلفظ "أهل الكتاب" شامل لمن يعرفون كتبهم جيدا ويعرفون الحق الذي جاء فيها، كما يشمل من لا يعرفون من كتابهم الأصلي شيئا، إذ خضعوا لموروثات حضارية وثقافات طمست عليهم الأمور وغيرت من عقيدتهم وأبعدتهم عن الحق، قال تعالى عنهم: "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ {78} " [8] وقال عن الأولين " فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {79} " [9] فهؤلاء الذين ضُلِّلوا من فعل المحرفين نعُدُّهم جاهلين حتى يبلغوا بالحق الذي يقنعهم، فإذا كان القرآن الكريم يحثنا على إسماع المشركين كلام ربهم وتأمينهم بعد سماعهم إلى أن يصلوا لديارهم كما في قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [10] فهؤلاء أولى بهذا الحكم من المشركين ولا ينبغي أن نحكم عليهم إلا بعد أن نوصل لهم كلمة الحق حتى تلزمهم الحجة، ولذلك يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {51} الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ {52} " القصص، ذلك أن الحكم بالكفر حكم بالظلم يترتب عليه الحكم بلعنة الله والخلود في النار، فلا بد أن يتأكد من يحكم بذلك أن من حكم عليه قد أبى وجحد ما هو بين واضح عن طريق الجدال بالتي هي أحسن كما أمر بذلك رب العزة، وسيلة واجبة على الدعاة حين قال: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [11] وقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [12].

ومن الروايات التي توضح لنا صفات بعض أهل الكتاب ما يلي: روت صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها ما دار بين أبيها وبين أخيه أبي ياسر عند قدوم النبي إلى المدينة: سمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم، والله، قال: تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله. قال: فماذا في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت. [13]

* وصف المشركين بالكفر

إن القرآن الكريم لم يكن لينعى على الكافرين كفرهم لمجرد أنهم عرفوا الحق ولم يتبعوه، بل لأنهم عرفوا الحق وكتموا أنه حق وأخبروا غيرهم بأنه باطل وجاهدوا هذا الحق بكل الوسائل ليصدوا الناس عن هذا الحق ويشوهوه في أعينهم، وإلا فما الضرر الذي يقع على الإسلام من كفر أحدهم وعدم اتباعه للحق.

ومن خلال استعراض صفات بعض المشركين الذين وصفوا بالكفر في القرآن الكريم يتضح لنا أن القرآن وصف هؤلاء بالكفر وصفًا دقيقًا لما كان يعتمل في صدورهم من كتمان للحق ورفض له حتى مع وضوحه أمام أعينهم، وهذا مثال على ذلك: طاف أبو جهل بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لصادق! فقال له: مه! وما دلك على ذلك! قال: يا أبا عبد شمس كنا نسميه في صباه الصادق الأمين، فلما تم عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن؟ والله إني لأعلم أنه لصادق قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به؟ قال: تتحدث عن بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة، واللات والعزى، لا أتبعه أبدا فنزلت: (وختم على سمعه وقلبه ...... ) [14]، ولقي النبي أبا جهل فصافحه فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابئ فقال والله إني لأعلم إنه لنبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا [15]، والتقى الأخنس وأبو جهل فخلا الأخنس بأبي جهل فقال يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس ها هنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمدًا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير