تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش [16].

هذه مجرد نماذج لهؤلاء الذين كانوا يعرفون الحق معرفة واضحة، ولكنهم آثروا الكفر المبني على العناد والاستكبار لا عن جهل وعدم معرفة أو شك.

* معنى الكفر وعلاقته ببلوغ الدعوة

مما سبق أن بينا من معنى الكفر في المعاجم العربية، ومن استعراضنا لصفات الذين وصفوا بالكفر في القرآن الكريم، يتضح لنا جليًا أن المعنى الذي كان يستخدمه العرب للفظ "كفر" هو تغطية شيء كان ظاهرًا وواضحًا، ومما نرى من صفات وسلوك الذين وصفهم القرآن بالكفر نجد أن هؤلاء كانوا يعلمون الحق ويوقنون من قلوبهم أن هذا الدين حق وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكذب، ولكن لأن هذا الدين مخالف لأهوائهم وشهواتهم المادية والمعنوية فإنهم كانوا ينكرون تصديقهم لهذا الدين، وليتهم وقفوا عند هذا الحد بل وسخروا أموالهم وألسنتهم وأيديهم لصد الناس عن هذا الدين وتعذيب وإيذاء من يقدرون عليه ممن تبع هذا الدين.

ومن كل هذا نخرج بأن معنى الكفر هو أن يبلغ الحقُ شخصًا بكل الأدلة والبراهين الملزمة فلا تبقى له حجة أو شبهة فيسكت عن معارضة هذا الدين ويبهت فلا يستطيع الرد، ثم ينكر بعد هذا صدق هذا الدين، فهذا هو مفهوم الكفر، ولذلك يربط القرآن الكريم في آيات كثيرة بين الحكم بالكفر وبلوغ الدعوة ومعرفة الحق والهدى فيقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 32) وجعل الله من الظلم أن يعرف الإنسان الحق ولا يتبعه يقول: (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 86) بل ويصف الذين كذبوا الرسل من قبل بنفس الصفة فيقول: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (التغابن:5،6) ويقول أيضًا: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (غافر: 22) ويقول: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (الزمر: 32) ويقول: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أو كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (العنكبوت: 68) ويصف كفر اليهود فيقول: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة: 89) ويقول: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) (الأنعام: 130) ويقول: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (الزمر: 71).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير