العاديات ضبحا: الضبح كما قلنا هو " صوت وتغير لون ناتج عن نار كما جاء في المقاييس " , فإذا نحن نظرنا في حال السحب الثقال حال عدوها وجدنا معها صوتا وهو صوت الريح الناقل لها وكذلك صوت الرعد الخارج منها , كما أن فيها تغير لون فالسحب تتغير ألوانها وكلما أثقلت السحب اتجها لونها إلى اللون الداكن , إذا فهذه هي العاديات ضبحا السحب المثقلة المحملة بالأمطار والمليئة بالرعود والبروق.
ثم يخصصها الله عزوجل بوصفين آخرين (لا بد أن يتطابقا تماما مع السحب كذلك) والوصف الأول منهما أنها بعد أن كانت عادية ضبحا أنها أوريت قدحا.
والملاحظ أن المفسرين قاطبة غفلوا عن حرف الفاء , فلم يشر أحد منهم إلى فائدته في هذه السورة , فجعلوا مراد الله " والعاديات ضبحا والموريات قدحا " , فما هو الإيراء وما هو القدح؟
هذان اللفظان من الألفاظ المستعملة والمعروفة وسنذكر القارئ الكريم بمعنيهما الذي ربما قد غفل أوذهل عنه: لقد قال الله تعالى في كتابه الكريم " أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [الواقعة: 71] " إذا فالإيراء معروف وهو إخراج النار , وهو يختلف في المعنى عن الإيقاد , فالإيراء إخراج نار عن طريق احتكاك وليس عن طريق الإشعال المباشر , ويمكننا أن نسهل الأمر للقارئ: إشعال عود الثقاب يعتبر نوع من الإيراء , وعندما يوضع الثقاب المحترق في الورق مثلا فهذا إيقاد وإشعال! ضرب حجرين ببعضهما هو نوع من الإيراء.
إذا فالله تعالى أقسم بالعاديات ضبحا والتي تنتقل من هذا الحال إلى حال آخر وهو إيراء القدح , فما هو القدح؟
القدح معروف المعنى , فإذا نحن نظرنا في المقاييس وجدنا التالي:
" القاف والدّال والحاء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على شيءٍ كالهَزْم في الشيء، والآخر يدلُّ على غَرْفِ شيء.
فالأوَّل القَدْح: فِعْلُك إذا قَدَحْت الشيء. والقَدْح: تأكُّلٌ يقع في الشَّجرِ والأسنان. والقادحة: الدُّودة تأكل الشَّجرة. ومنه قولهُم: قدَحَ في نَسَبه: طَعَن. ............ ومنالباب: قَدَّحَتِ العينُ: غارت. ويقال قَدَحَتْ. وقَدَحْتُ النَّار، وقَدحتُ العين: أخرجتُ ماءَها الفاسد. والأصل الآخر القَدِيح: ما يبقى في أسفل القِدْر فيُغرَف بجُهْد. " اهـ
وجاء في لسان العرب " ...... وقَدَحَ بالزَّنْدِ يَقْدَحُ قَدْحاً واقْتَدَح: رام الإِيراءَ به.
والمِقْدَحُ والمِقْداحُ والمِقْدَحَةُ والقَدَّاحُ، كله: الحديدة التي يُقْدَحُ بها؛ وقيل: القَدَّاحُ والقَدَّاحة الحجر الذي يُقْدَحُ به النار؛ وقَدَحْتُ النارَ. الأَزهري: القَدَّاحُ الحجر الذي يُورى منه النار؛ قال رؤبة: والمَرْوَ ذا القَدَّاحِ مَضْبُوحَ الفِلَقْ والقَدْحُ: قَدْحُك بالزَّنْد وبالقَدَّاح لتُورِيَ؛ الأَصمعي: يقال للذي يُضْرَبُ فتخرج منه النار قَدَّاحة ......... "
إذا فالسحب توري عن طريق القدح وهو الاحتكاك لإخراج النار وهذا ما يقول به العلم الحديث , فهناك سحب ذات شحن سالبة وأخرى موجبة وعند الاحتكاك يحدث الإيراء فينزل المطر ويظهر البرق!
وقارن عزيزي القارئ بين هذا القول وبين من يقول أن المراد من ذلك هو
" فاعلم أن الإيراء إخراج النار، والقدح الصك تقول: قدح فأورى وقد فأصلد، ثم في تفسير الآية وجوه أحدها: قال ابن عباس: يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزند إذا قدح، وقال مقاتل: يعني الخيل تقدحن بحوافرهن في الحجارة ناراً كنار الحباحب والحباحب اسم رجل كان بخيلاً لا يوقد النار إلا إذا نام الناس، فإذا انتبه أحد أطفأ ناره لئلا ينتفع بها أحد. فشبهت هذه النار التي تنقدح من حوافر الخيل بتلك النار التي لم يكن فيها نفع ومن الناس من يقول: إنها نعل الحديد يصك الحجر فتخرج النار، والأول أبلغ لأن على ذلك التقدير تكون السنابك نفسها كالحديد وثالثها: قال قوم: هذه الآيات في الخيل، ولكن إبراؤها أن تهيج الحرب بين أصحابها وبين عدوهم " اهـ
يتبع ........................
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[10 May 2008, 11:14 ص]ـ
¥