ثم ننتقل إلى التوصيف الرحماني الثاني لحالة السحاب وهي أنها بعد ذلك تغير صبحا! والذي قد يرى فيه البعض ردا على ما نقول ولكنا نرى فيه تأكيدا لما نقول , فالسحب هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير صبحا! أما ما عداها فلا يمكن له ذلك ولا يتحقق فيه أبدا.
فإذا نحن نظرنا في أقوال السادة المفسرين وجدناهم يقولون: " يعني الخيل تغير على العدو وقت الصبح، وكانوا يغيرون صباحاً لأنهم في الليل يكونون في الظلمة فلا يبصرون شيئاً، وأما النهار فالناس يكونون فيه كالمستعدين للمدافعة والمحاربة، أما هذا الوقت فالناس يكونون فيه في الغفلة وعدم الاستعداد. وأما الذين حملوا هذه الآيات على الإبل، قالوا: المراد هو الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى، والسنة أن لا تغير حتى تصبح، ومعنى الإغارة في اللغة الإسراع، يقال: أغار إذا أسرع وكانت العرب في الجاهلية تقول: أشرق ثبير كيما نغير. أي نسرع في الإفاضة. " اهـ
فعلى فهمهم هذا فإن الله تعالى يقسم بحدث انقرض منذ مئات السنين ولم يعد له فائدة ,ويعني أنه لو أغارت نهارا أو ليلا فلا عبرة فيها! بغض النظر على أنه فعل ضرر وظلم وغدر فليس هذا من القتال في الإسلام في شيء , حيث ينبغي علينا أن نعلم المقاتل بقتالنا له ولا نأخذه هكذا غيله , فكيف يقسم الله عزوجل بالحرام؟!!
ثم إن الملاحظ أن الخيل أو الإبل لا يمكن أن تغير صبحا أبدا! , من الممكن أن تغير بالصبح أو في الصبح أو صباحا , (وراجع الفرق في المعنى عند استعمال حرف الباء و " في " في الزمان في موضوع " قرى قوم لوط على الموقع) , أما أن تغير صبحا فهذا معناه أنها هي أصبحت كالصبح! وليوضح لي السادة المفسرون كيف يتحول الخيل إلى النور والإحمرار!
أما في حالة القول أن المراد من ذلك هو السحب فيكون المعنى هو أن السحب المثقلة بعد عدوها واحتكاكها وايراءها تغير مضيئة عن طريق البرق وبذلك تكون هي نفسها صبحا بغض النظر عن الوقت التي تغير فيها! كما أنها ببرق أو بدونه من الممكن اعتبارها صبحا لأن السحب تكون في الغالب بيضاء فمن الممكن النظر إليها من هذا المنظور أيضا كالصبح!
ثم بعد ذلك انتقل الله عزوجل إلى وصف فعل هذه العاديات , فبعد أن كان يصف حالها وتنقله وتغيره انتقل إلى وصف فعلها , فقال " فأثرن به نقعا "
من المعضلات التي واجهها السادة المفسرون في هذه السورة مسألة عود الضمير في هذه الآية " فأثرن به " وفي الآية التالية " فوسطن به " فما هو عود الضمير فيهما؟
اختلف المفسرون كالعادة أيما اختلاف لعدم تطابق الصورة التي يقدمونها مع المنظور القرآني فحيروا وتحيروا! فقالوا كما جاء في تفسير الرازي:
" الضمير في قوله: {به} إلى ماذا يعود؟ فيه وجوه أحدها: وهو قول الفراء أنه عائد إلى المكان الذي انتهى إليه، والموضع الذي تقع فيه الإغارة، لأن في قوله: {فالمغيرات صُبْحاً} دليلاً على أن الإغارة لا بد لها من وضع، وإذا علم المعنى جاز أن يكنى عما لم يجز ذكره بالتصريح كقوله: {إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] وثانيها: إنه عائد إلى ذلك الزمان الذي وقعت فيه الإغارة، أي فأثرن في ذلك الوقت نقعاً وثالثها: وهو قول الكسائي أنه عائد إلى العدو، أي فأثرن بالعدو نقعاً، وقد تقدم ذكر العدو في قوله: {والعاديات}." اهـ
وهناك من قال أن عود الضمير على الإيراء لأنه يحدث من خلال العدو أن يثير الخيل التراب!
والعجيب أن النقع معناه معروف ومتبادر إلى الذهن , ولكن السادة المفسرون كان لهم رأي آخر , فيرجح الرازي والمفسرون عامة أن النقع هو التراب!!:
" في النقع قولان: أحدهما: أنا هو الغبار وقيل: إنه مأخوذ من نقع الصوت إذا ارتفع، فالغبار يسمى نقعاً لارتفاعه، وقيل: هو من النقع في الماء، فكأن صاحب الغبار غاص فيه، كما يغوص الرجل في الماء والثاني: النقع الصباح من قوله عليه الصلاة والسلام: «مالم يكن نقع ولا لقلقة» أي فهيجن في المغار عليهم صياح النوائح، وارتفعت أصواتهن، ويقال: ثار الغبار والدخان، أي ارتفع وثار القطا عن مفحصه، وأثرن الغبار أي هيجنه، والمعنى أن الخيل أثرن الغبار لشدة العدو في الموضع الذي أغرن فيه." اهـ
¥