أما على قول السادة المفسرين فلست أدري ما وجه إيراد هذه الآية؟! فالآيات السابقات على زعمهم تتحدث عن فعل جاهلي مخالف لتعاليم الإسلام! فهل من المعقول أن يندد الله بعد ذلك بفعل الإنسان قائلا " إن الإنسان لربه لكنود " , بعد هذا المذكور على قولهم لا بد أن يكون هذا هو الفعل الطبيعي من الإنسان ولا يعترض عليه!!!
أما على قولنا نحن فإن الله تعالى يذكر نعمه على الإنسان ويعددها عليه وكيف أنه يقابلها بالكنود , فما هو الكند؟
الكند كما جاء في المقاييس:
" الكاف والنون والدال أصل صحيحٌ واحد يدلُّ على القَطْع. يقال كَنَدَ الحبْلَ يكنُده كَنْداً. والكَنُود الكفور للنِّعمة. وهو من الأوَّل، لأنَّه يكنُد الشكر، أي يقطعُه. ومن الباب: الأرضُ الكَنود، وهي التي لا تُنبِت. " اهـ
ونلاحظ أن الكند قريب من العند والفارق بينهما في المعنى طفيف! إذا فالله يذكر للإنسان نعمه عليه والتي تقابل منه بكفر النعمة وعدم الشكر عليها!
ثم يؤكد الله تعالى للإنسان ويذكره بشهادته على ذلك فيقول " وإنه على ذلك لشهيد ". ونجد هنا أن السادة المفسرين اختلفوا في الضمير في " إنه " فمنهم من قال أن الضمير يعود على الإنسان ومنهم من قال أنه يعود على الله تعالى. والعجيب أنهم لم يختلفوا تقريبا حول " ذلك " فقالوا أن المراد من ذلك هو الكنود! بحجة أن العود هو على أقرب المذكورات!
والذي أراه أنا أن الضمير في " إنه " لا بد أن يعود على الإنسان لأن الحديث عنه في الآية السابقة وكذلك في التالية , فمن الأولى أن يستمر الكلام على وتيرة واحدة بدلا من القول بوجود القطع والاعتراض , فما الدليل على قطع الكلام وعلى أن هذه الجملة جملة اعتراضية , حتى نعود بالضمير على الله عزوجل؟ كما أن عود الضمير هنا على الإنسان أولى ليقابله في آخر السورة " إن ربهم بهم يومئذ لخبير " فالإنسان شهيد على نعم الله والله خبير بعباده! إذا فالضمير في " إنه " عائد على الإنسان , فما المراد من ذلك؟ هل هو الكنود؟ الذي أراه أن المراد من " ذلك " هو الآيات السابقات والنعم التي أغدقها الله عليه , وبهذا يستقيم المعنى فالآية السابقة تتحدث عن كفر الإنسان للنعمة وعدم شكره عليها والتالية تنبه على أنه شهيد على هذه النعم وعلى الرغم من ذلك فهو لا يشكر! وبذلك يحدث تقابل بين معرفة النعمة ومشاهدتها وبين كفرها وعدم الشكر عليها أما القول بأن المراد من " ذلك " الكنود فبعيد , فكيف يكون الإنسان شاهدا على كنوده؟!
ثم يواصل الله تعالى توصيف الإنسان الكافر لنعمته المتناقض مع نفسه " وإنه لحب الخير لشديد " قال السادة المفسرون أن المراد من الخير هو المال , ولكن هذا تخصيص ما أنزل الله به من سلطان , الخير هو الخير وهو اسم عام يدخل تحته المال وكل منفعة للإنسان , أما التخصيص بالمال فهذا ما لا يصح.
ونلاحظ أن الله تعالى ينبه بهذه الآيات الثلاث على تناقض فعل الإنسان , فهو يكفر نعمة الله وينكر فضله عليه على الرغم من وضوحه أمام عينيه ثم على الرغم من ذلك هو محب شديد للخير , فكيف يتفق هذا مع تصرفه؟
إن الخير كل الخير هو في استمراره , أما الخير القليل المنقطع الذي يورث شرا فلا خير فيه , بل هو ابتلاء وأذى وشر , فإذا كان الإنسان محبا للخير حقا فعليه أن يفعل العكس وهو أن يشكر الله على نعمائه وبذلك يستمر الخير الذي يحبه ويصبح من الفائزين في الدنيا والآخرة!
ثم ينتقل الله تعالى إلى التخصيص الفعلى الثنائي لهذا الإنسان فينبه بآيتين فعليتين فيقول: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور " , فينبه الله تعالى هذا الإنسان المحب للخير المستكثر في جمعه الدافع للشر عنه إلى أن مصيره وآخرته هو إلى الموت والدفن في القبر مع غيره من الأموات.
وأكثر المفسرين إن لم يكن كلهم يرون أن هذا حادث يوم القيامة ولكني أرى أن هذا التوصيف في الدنيا يراه الإنسان بعينه ثم يمر به بعد ذلك.
فلقد قال المفسرون في ذلك كما جاء في تفسير الفخر الرازي:
¥