تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم: 43] , خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج: 44] "

أما هنا فقال " أبصارها خاشعة " فعلمنا أن المراد ليس أبصار الناس وإنما أبصار القلوب , و المشكلة عند القارئ هي في فهمه لمسألة الأبصار , فلقد قمنا سابقا بتعريف عملية البصر وما هو المراد من الأبصار , وقلنا أن المراد من الإبصار هو القدر على الفهم عن طريق التمييز , لذا فلا حرج أبدا في أن يكون للقلوب أبصار تكون في هذه الساعة خاشعة , أي أن الكافرين ساعة نزول العذاب تصبح أبصار قلوبها – وليس أبصار عيونها – خاشعة , فالكافر لا تخشع عينه ساعة نزول العذاب بل تضطرب اضطرابا شديدا , أما بصر قلبه فيخشع , والخشوع معروف بالنسبة للقارئ , إذا ففي هذا اليوم الذي ينزل العذاب تخشع أبصار القلوب ويذهب كبرها فلا يعد هناك أي مجال للمجادلات وللتنطعات الفكرية التي يصدع بها الملاحدة والمشركون بل يقرون بالحق إقرارا ويبدأون في التفكر في اليوم الآخر وهل هناك حساب وهل ما جاء به الأنبياء صحيح أم أننا سنموت وينقضي الأمر , ففي هذه اللحظة تكون المصراحة مع النفس , فيسألون: " أئنا لمردودون في الحافرة " , فأبصار الكافرين خاشعة يقولون أئنا لمردودون في الحافرة , فهم يتساءلون ويفكرون فيما جاءت به الأديان كلها , فهل من الممكن فعلا أن نعود إلى الحياة مرة أخرى بعد موتتنا هذا , وبهذا يكون ما يقوله الأنبياء صواب وهناك ثواب وعقاب أم أن الحياة تنتهي بالموت ولا شيء بعد ذلك؟! وهنا نتوقف لنسأل: ما المراد من الحافرة؟ الحافرة كما هو واضح لكل ذي عينين مشتق من الحفر! والحفر معروف , ولكن المشكلة هنا في كلمة الحافرة , فما هو معنى هذه الكلمة في هذا السياق؟ ما هي مناسبة الحديث عن حافرة؟ بسبب عدم ظهور معنى لهذه الكلمة اختلف المفسرون في معنى الحافرة اختلافا كبيرا , فمنهم من قال أن الحافرة هي القبر , أي أن الحافرة بمعنى المحفور! وهذا مردود بداهة , ومنهم من قال أنها النار , ولست أدري ما علاقة النار بهذا السياق , هل سيرد الناس في النار يوم القيامة أم أنهم سيردون ثم يحاسبون؟ وما علاقة النار بالحفر؟ وقيل أن المراد من الحافرة الدنيا , ونعرض لك عزيزي القارئ مثالا من تخبط المفسرين عند تعاملهم مع هذه الكلمة , كما جاء في تفسير الرازي:

" قوله تعالى: {يَقُولُونَ أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الحافرة} يقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفراً فهي في الحقيقة محفورة إلا أنها سميت حافرة، كما قيل: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] و {مَّاء دَافِقٍ} [الطارق: 6] أي منسوبة إلى الحفر والرضا والدفق أو كقولهم نهارك صائم، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته، أي إلى طريقته وفي الحديث: " إن هذا الأمر لا يترك على حاله حتى يرد على حافرته " أي على أول تأسيسه وحالته الأولى وقرأ أبو حيوة في الحفرة، والحفرة بمعنى المحفورة يقال: حفرت أسنانه، فحفرت حفراً، وهي حفرة، هذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفور، إذا عرفت هذا ظهر أن معنى الآية: أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا. " اهـ

بل إن الحيرة وصلت إلى معاجم اللغة فجعلوا هذه الكلمة أصلا مستقلا بذاته , فنجد أن ابن فارس يقول في المقاييس:

" الحاء والفاء والراء أصلان: أحدهُما حَفْر الشّيء، وهو قلعه سُفْلا؛ والآخَر أوَّل الأمر. فالأوَّل حفَرتُ الأرض حَفْرا. وحافِر الفَرسِ من ذلك، كأنّه يحفر به الأرض. ومن الباب الحَفْرَ في الفَم، وهو تآكل الأسنان. يقال حفَر فُوه يَحْفر حَفْراً. والحَفَر التُراب المستخرَج من الحُفْرَة، كالهَدَم؛ ويقال هو اسمُ المكان الذي حُفِر. قال: ويقال أحفَرَ المُهْرُ للإثْناء والإرباع، إذا سقَطَ بعضُ أسنانه لنَباتِ ما بَعدَه. ويقال: ما مِن حاملٍ إلاّ والحمل يَحْفِرها، إلاّ *الناقة فإنَّها تسمَن عليه. فمعنى يحفِرها يُهْزِلها. والأصل الثاني الحافرة، في قوله تعالى: أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير