والصحيح كما ورد في لسان العرب وكما يعرفه الذوق السليم أن الزجر صوت يدل على ... وليس " كلمة " كما قال ابن فارس , وتأمل استعمال الزجر في اللغة فستعلم أنها كلمة تشير إلى صوت! إذا فالله تعالى يقول " فإنما هي زجرة واحدة " أي فإنما هي صيحة واحدة وهذه الصيحة ستكون من الملائكة , فهن " فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً [الصافات: 2] " , وهنا نتوقف لنسأل: هل ستكون هذه الزجرة في الدنيا أم تكون في الآخرة؟ بداهة يكون هذا الموقف في الآخرة , والناظر في القرآن يجد أنه ألغى أي احتمالية للبس في هذا الموقف بسورة أخرى حيث ذكر في سورة الصافات " " َإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ [الصافات: 19] " , فهذا دليل على أن الحديث انتقل مصورا يوم القيامة للرد على المشركين الذين يرون أنها كرة خاسرة ليس بالنسبة لهم فقط وإنما بالنسبة لله تعالى , فكأنهم يتساءلون كما يفعل بعض ملاحدة هذه الأيام: ما الذي سيستفيده الله عندما يبعثنا ويحاسبنا ولم يمتحننا أساسا؟ فكأن هذا البعث والإخراج من القبور مسألة إعادة خاسرة بالنسبة لله تعالى , فرد الله عليهم بقوله " فإنما هي زجرة واحدة " فلن يكلف الأمر أي شيء إلا زجرة من الملائكة , " فإذا هم بالساهرة " وهنا نتوقف لننبه القارئ , فالسادة المفسرون على أن المراد من الباء هو " في " أي " فإذا هم في الساهرة " وهذا ما لا يقبل في كتاب الله عزوجل , فلا يقبل حرف مكان حرف , فإذا استعمل الله عزوجل حرف الباء فحتما ولزاما هو المراد وليس أي حرف آخر , وانطلاقا من فهمنا لحرف الباء والذي يكون بمعنى السببية والواسطية سنحدد بإذن الله تعالى معنى الساهرة! لما قال المفسرون أن الباء بمعنى " في " اختلفوا في المراد من الساهرة؟ فقيل أن المراد منها الأرض , سواء أرض بيضاء مستوية أو أرض ينشأها الله تعالى أو .. أو ... إلخ هذه الأقوال المتخبطة في تحديد علاقة السهر بالأرض! أما نحن فنربط الآية بالسابقة فنقول: إن الله تعالى يرد على من يستصعب رد وبعث العظام النخرة فيقول لهم فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم: وهم هنا حتما الناس كاملون وليس فقط العظام , إذا فعند الزجرة تصبح العظام ناسا " هم " , فكيف وبم تصبح العظام بشرا كاملا يستحق أن يعاد عليه بالضمير " هم "؟ يوضح الله تعالى لنا أنهم يصبحون كذلك بالساهرة! وتصور معي المشهد: زجرة واحدة فإذا هم (يكونون أو يصبحون أو يشكلون) بالساهرة , فلما عرفنا أن الساهرة هي التي يكون منها وبها الناس , فما هي الساهرة؟
الساهرة مشتقة من السهر , والسادة اللغويون لم ينجحوا في أن يعطوا معنى دقيقا للسهر , لذا نجد ابن فارس يقول في المقاييس:
" السين والهاء والراء معظم بابه الأرَق، وهو ذَهاب النوم. يقال سَهَرَ يَسْهَرُ سَهَراً. ويقال للأرض: السّاهرة، سمِّيت بذلك لأن عملها في النَّبت دائماً ليلاً ونهاراً. ولذلك يقال:"خَير المالِ عينٌ خَرّارة، في أرض خوَّارة، تَسْهَرُ إذا نِمتَ، وتشهَد إذا غِبْتَ". وقال أميّة بن أبي الصلت:
وفيها لَحْمُ ساهرةٍ وبحرٍ وما فاهُوا بِهِ لهمُ مقيموقال آخر، وذكر حَميرَ وحْش:
يرتَدْنَ ساهرةً كأنَّ عميمَها وجَمِيمَها أسدافُ ليلٍ مظلمِثم صارت السّاهرةُ اسماً لكلِّ أرض. قال الله جلَّ جلالُهُ: فإنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات 13 - 14] والأسهران: عِرقان في الأنف من باطن، إذا اغتلم الحِمارُ سالا ماءً. قال الشَّمّاخ:
تُوائِلُ من مِصَكٍّ أنْصَبَتْهُ حوالبُ أسهريهِ بالذَّنِينِوكأنَّما سمِّيتا بذلك لأنّهما يسيلان ليلاً كما يسيلان نهاراً .... " اهـ
فابن فارس يرى أن معظم باب السهر هو في الأرق أي عدم النوم , فإذا نحن نظرنا في باقي المعاجم مثل اللسان أو غيرها لا نجدها تخرج عن هذا المعنى , ولكنا نعود فنجدهم يوردون تحت هذا الأصل معان أخرى لا علاقة لها بالأرق , فنجد على سبيل المثال في اللسان:
¥