تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"والأمر الجوهري بالنسبة لي كمؤمن هو أن أبذل جهدي في حال الالتباس، وأن أميز وأتبع بأمانة وإخلاص، ما يمكن أن يكون من أمر الله، تبعاً لمجموع تعاليمه. ولو كان الحل الذي اجتهدت فيه واخترته منحرفاً، فلن أكون آثماً، متى ما بذلت جهدي الضروري، الذي يصدر عني، لإضاءة طريقي، والله يقول:"وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" (الأحزاب:5) " (ص:128).

فالتكليف القرآني يضع الإنسان في مكانه الصحيح، وفي الظروف التي تناسبه على وجه التحديد، ما بين الفطرة والعقل المحض، فهو لا يحدد قواعد الشريعة إنما يحدد واجباته المادية ابتداء من هذه المثل العليا بقدر وسعه. (ص:133).

المسؤولية

المسؤولية تفترض إلزاماً مسبقاً، وبالتالي فالحساب يجب أن يكون موضوعه الطريقة التي تم بها أداء عمل إلزامي أو إهماله، والإمكان والضرورة هما الصفتان اللتان تكونان مجالي المسؤولية وعدم المسؤولية، كل على حدة، والمسؤولية دينية واجتماعية وأخلاقية، "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (الأنفال:27)، بل إن كل مسؤولية هي مسؤولية أخلاقية، كما يتجلى ذلك في نصوص قرآنية كثيرة تقرن مسؤولية العمل الدنيوية بمسؤولية أخروية.

أما شروط المسؤولية الأخلاقية والدينية فهي الطابع الشخصي " وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ" (النساء:111)، والنصوص في هذا كثيرة، ولا ينقضها ما ورد من آيات تؤكد تحمل المرء المذنب إثم أتباعه "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (العنكبوت:13)، فما تفيده هذه النصوص أن هؤلاء سيحملون جزاء عملهم كاملاً، ويشاركون في مسؤولية من تبعهم دون أن يخفف ذلك من عبء مسؤولية الأتباع وجزائهم، فمسؤولية القادة عن أتباعهم المضافة إلى مسؤوليتهم عن ذنبوبهم ترجع إلى إسهامهم بقدر معين في معصية القطيع، فإنهم يجدون أنفسهم ذوي مسؤولية إضافية، وعندما تنعدم السببية أو التوسط بين مسؤولين كثيرين تنكمش المسؤولية وتنفرد "قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (سبأ:25). (ص:153)

كما لا ينفي الطابع الشخصي مبدأ الشفاعة إذ دور الشفيع هو إعلان الصفات والحسنات الصالحة التي تعوض سيئات المؤمنين، وذلك بعد أن يأذن الله بها، ولا تكون إلا لمن يرتضي الله قبوله، وهيهات أن تكون رابحة، إذ قد يرجع الشفيع عندما يعلم أموراً جهلها، فالشفاعة جزء من جهاز العدالة المعقد يوم القيامة. (ص:161).

أما الأساس الثاني الذي تستند إليه المسؤولية بعد طابعها الشخصي فهو الأساس القانوني، فلا حساب ما لم يكن هناك علم مسبق بأحكام الأفعال، والإعلام بها إما داخلي يرجع إلى الفطرة والعقل، على اختلاف بين المدارس الإسلامية في مستويات ما يسأل عنه هذا النوع من العلم بأحكام الأفعال، ويتمسك أهل السنة بظاهر ما بينه الله "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا" (الإسراء:15)، وعللت عدم الإلزام بالفطرة آية أخرى هي قوله تعالى"رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء:165)، "والحقيقة أن الله أوجب على نفسه أن يعلم الناس قبل أن يحملهم مسؤوليتهم، لأنه يرى من الظلم تعذيب القرى التي تغفل عن واجباتها، لأنها لم تعرفها: "ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ" (الأنعام:131)، "وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ- ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ" (الشعراء:208) " (ص:165).

والعلم بالقانون هنا يقتضي ضرورة إبلاغه إلى علم المكلف، سواء بالتربية أو النشر أو الصدفة، أم بسعي المكلف نفسه وبحثه، فالقرآن عندما تحدث عن الأقوام السابقين أشار إلى وصول التعليم الإلهي إليهم، وهذا يشمل القرآن " وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ" (الأنعام:19).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير