تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الشرط الثالث لتحمل المسؤولية فهو توفر العنصر الجوهري في العمل، "لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ" (البقرة:225)، فـ"النية شرط ضروري للأخلاقية، وهي على ذلك شرط للمسؤولية، ولكنها ليست بأي حال شرطاً كافياً لهذه أو تلك" (ص:180).

أما الشرط الرابع للمسؤولية فهو الحرية، " مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (النحل:106)، ويشير إلى أربعة عناصر توضح المشكلة: غيبية أفعالنا المستقبلية "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (لقمان:34)، وقدرة الإنسان على أن يحسن أو يفسد كيانه الجواني "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"، (الشمس:9 - 10)، وعجز جميع المثيرات عن أن تمارس إكراهاً واقعياً على قراراتنا "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ" (إبراهيم:22)، والإدانة القاسية للأعمال الناشئة عن الهوى أو التقليد الأعمى "وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ" (الأعراف:176)، "إِنَّهُمْ أَلْفَوْا ءَابَاءَهُمْ ضَالِّينَ-فَهُمْ عَلَى ءَاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ" (الأعراف:69 - 70)

فالمبدأ القرآني للمسؤولية مبدأ فردي يستبعد كل مسؤولية موروثة، أو جماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن هذه المبادئ قد يرد عليها بعض الاستثناءات في الميدان الفقهي، لكن العمل الإرادي للفرد المزود بالعقل، هو الموضوع الدائم والوحيد للمسؤولية، وتبقى نية فعل الشر شرطاً ضرورياً للعقاب. (ص:242).

الجزاء

الجزاء هو رد فعل القانون على موقف الأشخاص الخاضعين لهذا القانون، وإذا كان القانون الأخلاقي لا يتضمن تنفيذه أو انتهاكه أية نتيجة لصالح الفرد الذي يفرض عليه، أو ضده، فإنه لن يكون ملزماً، لكن السؤال فيم يتمثل هذا الجزاء، لا بد أن نستبعد كل فكرة للثواب والعقاب تؤثر في حواسنا الخارجية، لأنها لا تسمى أخلاقية كما أنها ليست ضرورية، كما أن ندم الضمير ورضاه ليس كافياً كعقوبة أو مكافأة للقانون الأخلاقي، فالمتعة والألم هما رد فعل لضميرنا على ذاته أكثر من أن يكونا رد فعل للقانون علينا. (ص:246 - 248)

إن الجزاء الأخلاقي في القرآن هو التوبة، فهي تفترض جهداً وواجباً جديداً يفرضه الشرع علينا على إثر تقصير في الواجب الأولي، وهي واجب لا يحتمل التأخير " وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ" (النساء:18)، فالتوبة جزاء إصلاحي يتضمن إعادة تجديد البناء الذي تهدم بصورة منهجية، لذلك اقترنت كلمات التوبة بكلمات الإصلاح والإحسان في القرآن، " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا" (البقرة:160 - النساء:146)، "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (النور:5 - آل عمران:89)، فالتوبة إصلاح للماضي وتنظيم لمستقبل أفضل، فالإصلاح تدارك للماضي، وتعويض للنقص الذي حصل "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" (هود:114)، " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" (التوبة:103). (ص:251 - 253).

فالجزاء الأخلاقي الثوابي يتمثل في الحسنة والسيئة، أي كسب القيمة أو خسارتها، أما الجزاء القانوني (النظام العقابي في التشريع الإسلامي) فيميز فيه بين مستويين الأول العقوبة المحددة بدقة، ولا يتوقف تطبيقها لا على حالة المذنب ولا على مشاعر الضحايا، فهي من شأن الصالح العام، وهي عقوبات لجرائم محدودة (الحرابة، السرقة، شرب الخمر، الزنا، القذف)، ويلاحظ في هذا السياق أن العقوبات كلما كانت أشد تنكيلاً قل غالباً تطبيقها، فهي قسوة في السياق النظري لا العملي. أما الجرائم الأخرى فتنتمي إلى المستوى الثاني وهو المتروك للقضاء. (ص:262 - 245).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير