تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا الجزاء الأخلاقي والقانوني دنيوي ومرتبط بالواقع، ويقابله جزاء إلهي أخروي، يعتبر أساساً في نظام التوجيه القرآن ووصاياه، والتي ترجع ثلاث طوائف هي:

المسوغات الباطنة وهي الرجوع في دعم التكليف عقلياً على قيمة أخلاقية مرتبطة بهذا التكليف، وهي قيمة إيجابية في الأمر سلبية في النهي، وهي قيمة موضوعية كالحق والباطل والعدل والظلم، "كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" (الرعد:17)، ويسرد نماذج قرآنية كثيرة وبأساليب مختلفة لهذا النوع من المسوغات (ص:285 - 319).

أما المجموعة الثانية من الوصايا القرآنية، فهي تلك التي تراعي الظروف المحيطة وموقف الإنسان، فهو إما متقبل بوضوح ومتجاوب مع الأمر الإلهي، فيناسبه قول مشجع " وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" (البقرة:215)، أو متجاوب عموماً لأحكام الشرع، لكنه لا يستبعد إمكان الخطأ، وهذا في مرحلة ما قبل العمل، فيصدر الأمر بصورة مجردة بعض الشيء، " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (البقرة:134)، أو يكون موقف الإنسان طائعاً من حيث المبدأ مع احتمال التغيير لظروف خاصة، فيأتي التكليف أشد صرامة ويغلب عنصر المنع على عنصر الدفع، " فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة:181)، أو يكون موقف الإنسان هو التمرد والمجاهرة، فيأتيه الخطاب الوعيد، " أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (فاطر:8). (ص:319 - 328)

أما المجموعة الثالثة من الوصايا القرآنية فهي التي تنبه إلى اعتبار النتائج المترتبة على العمل، كالنتائج الطبيعية، سواء كانت آثارها فردية أو عامة، " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" (المائدة:101)، " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة:179)، " وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" (الإسراء:29). (ص:328 - 331)

أما طبيعة الجزاء الإلهي فهو شامل، منه عاجل ومنه آجل، ومنه أخلاقي روحي، ومنه مادي خالص، "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) .... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" (الطلاق:4)، ومنه ما يتصل بجماعة المؤمنين " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم:47)، وفيه ما يعزز الفطرة والجانب الأخلاقي والعقلي " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69)، وكذلك الجانب الروحي، " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" (البقرة:152)، والآيات التي تتحدث عمن يحبهم الله ومن لا يحبهم كثيرة جداً، وقد عرض في الكتب لأنواع الجزاء الإلهي الدنيوي والأخروي، مع إحصاءات لها. (ص:343 - 402).

ويصل في النهاية إلى تأكيد أن النظرية القرآنية في الجزاء تستهدف النفس الإنسانية بكل قواها، وفي كل أعماقها، وتدعو جميع الناس بطبقاتهم ودرحات عقولهم.

النية والدوافع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير